من لاهور جنكي صنعوا بطلاً – الجزء الأول

  • الجزء الأول

في الإتحاد الوطني أصبح الأسياد ذيولاً والذيول أسياداً!

في الآونة الأخيرة كثيراً ما تردّد اسم (لاهور جنكي) على مسامع الكورد، غير أن شعب جنوب كوردستان عموماً وأهالي مدينة السليمانية على وجه خاص يعرفون هذا الشخص جيداً، وهو معروف لدى مواطني الجنوب بالشخص الذي استولى على إيرادات الجمارك والمعابر الحدودية بين جنوب كوردستان وشرقها، والشخص الذي وقّع اتفاقاً خيانياً تاريخياً مع الحكومة العراقية وباع قلب كوردستان، ومستحصل الرشاوى من عدّة شركات، كما هو معروف بضعف الشخصية والحاقد والضاغن لدى أهل الجنوب، وأن حياته عبارة عن مجلة ملوّنة، ورغم كلّ هذا وخلفيته السوداء تحاول بعض الأطراف أن تصنع منه بطلاً قومياً ووطنياً! وإظهاره على صورة المخلّص المتفاني لغرب كوردستان، فيا تُرى أي ما مرّ هو حقيقة لاهور شيخ جنكي؟

من هو لاهور جنكي؟

ولد لاهور جنكي في مدينة أربيل عام 1976، امضى فترةً من حياته في إيران كباقي العوائل الطالبانية، وتربّى في بريطانيا، شغل أول منصب له في الإتحاد الوطني الكوردستاني عام 1999-2000 كممثّل له في تركيا، آنذاك كانت العلاقات بين البكك والإتحاد متوتّرة جدّاً، بحيث تمّت ترجمتها لمعارك محتدمة بين الطرفين في أيلول عام 2000 دامت لأكثر من 5 أشهر، خسر فيها الإتحاد الوطني ما يقارب من 500 مقاتل والبكك 250 مقاتلاً، آنذاك كانت البكك تنتقد العلاقات التركية والإتحاد واصفة إياها بالخيانية، وأن الإتحاد بمثابة الاستخبارات التركية!

وما يتمتّع به لاهور من علاقات مع تركيا فتعود أصولها لتلك الفترة، ويعود تواجد فرقة الاستخبارات التركية (TIT) في مدينة السليمانية لتلك الفترة، عام 2002، تم تكليف لاهور بجمع شتات القوى التابعة للاتحاد، غير أنه أخضع هذه القوات لهيمنته وتحقيق مصالحه الشخصية خلال فترة وجيزة، وانخرط في تنظيمات مافياوية وأخذ الجبايات والضرائب عنوة من الشعب، ومارس أعماله خارج أطر الإتحاد واوامره.

هناك مثل مضحك ومعروف لدى أهالي السليمانية أنه عندما كان مام جلال بصحة جيدة، سأله شخص: كم ابناً عندك؟ فأجابه مازحاً (لدي ابن وحمار!)

تدخّل مام جلال مباشرة في ممارسات لاهور وانتقده بعنف، وجرّده من أية سلطة رسمية تُذكر طيلة فترة حياته، وقبل مرض مام جلال عام 2012، لم يكن أحد ممن كان ينوي تسخير منصبه للفساد والسرقة يتسنّم منصباً حزبياً لا لاهور جنكي ولا بافيل طالباني والذي يتقاسم رئاسة الإتحاد في الوقت الحالي مع لاهور، فأهالي السليمانية هم بأنفسهم من نقلوا هذه المزحة المضحكة عن مام جلال عندما كان بصحة جيدة، سأله شخص: كم ابناً لديك؟ فأجابه مازحاً (لدي ابن وحمار!) وكان يقصد بالابن قوباد طالباني، وبالحمار ابنه بافيل طالباني والذي أصبح الآن رئيساً مشتركاً للاتحاد الوطني الكوردستاني، فبات الإتحاد في حضن من أبعده مام جلال عن حزبه في حياته، وأصبحوا ورثته فيما بعده!

الأسياد أصبحوا ذيولاً والذيول أسياداً!

بعد تولّي مام جلال لزمام رئاسة الجمهورية العراقية عام 2005، أهمل العمل التنظيمي الحزبي وصبّ جلّ اهتمامه على إدارة الدولة، فكان الإتحاد يُدار بكاريزما مام جلال ورفاقه كوسرت رسول وملا بختيار والشيخ جعفر وبرهم صالح، وكان هذا الجناح أصحاب المواقف والقرارات في الإتحاد، أصحاب الأفكار والمبادئ والقيم الكوردستانية، في هذه الأثناء وظّفت عقيلة مام جلال هيرو إبراهيم نفسها نائبة له، فاستغلّت امتيازات العائلة واسم مام جلال وعائلته لإحكام قبضتها على الإتحاد، كما جعلت نفسها الوريثة الوحيدة لمالية الإتحاد وأمنه ما أدّى لخلق حالة استياء وامتعاض شديدين لدى باقي قياديي الإتحاد، كونها احتكرت الحزب من مفرق رأسه لأخمص قدميه، غير مبالية بوحدة صفه، بل طغى عليها الجانب العائلي، فحاولت احتكار كافة قرارات الإتحاد، وهذا ما تسبّب بحصول خلافات وتصدّعات داخل الإتحاد، وهذه الخلافات بين جناحي الحزب هيأت الأرضية لظهور جناح آخر مدعوم من قوى أخرى خارجية.

مبدأ الرئاسة المشتركة في الإتحاد كان بدعة لخلق توازن بين العائلتين، باستطاعة الإنسان القول إن بافيل طالباني كان مجرّد ممثّل شكلي لـ (هيروخان وشقيقتها شاناز) لا أكثر!

عام 2013، تولّى لاهور جنكي مسؤولية أهم مؤسّسة في الإتحاد ألا وهي المؤسّسة المخابراتية والعروفة بالمؤسّسة المعلوماتية -أعلى مؤسّسة استخباراتية في الإتحاد- كما تسنّم شقيقه (بولات شيخ جنكي) منصب قيادة القوات الخاصة التي كان لاهور يقودها قبله، علماً أن تكليف لاهور لم يكن طبيعياً، بل كان إحياءً لاتفاقية سياسية قديمة، فقد كان إحياءً لشراكة عائلة إبراهيم أحمد القيادي المؤسّس للاتحاد عام 1975 تلك العائلة التي كانت هيروخان وشقيقتها شاناز إبراهيم تمثّلها ضمن أطر الحزب.

فقد كان مبدأ الرئاسة المشتركة في الإتحاد بدعة لخلق توازن بين العائلتين، بحيث يستطيع الإنسان أن يجزم بأن بافيل طالباني مجرّد ممثّل شكلي لـ (هيروخان وشقيقتها شاناز) لا أكثر!

تصفية الكوادر القياديين القدامى

القوة التي آزرت لاهور لتولّي منصب الرئاسة المشتركة في الإتحاد كانت إيران، فكانت إيران تدرك أن الجناح العتيق -من ذكرناهم سابقاً- في الإتحاد يحل المشاكل السياسية وفق المبادئ والأسس نوعاً ما، لهذا أرادت إيران استبدال هذه النخبة بقيادة جديدة للاتحاد موالية لها وتستطيع توجيهها وتوظيفها يومياً، فما تريده إيران هو أن يكون الرئيس الجديد للاتحاد كمحافظ لمحافظة إيرانية، لذا تمّت تصفية جناح الكوادر القياديين القدامى للاتحاد.

فأبرزت إيران أسماء جديدة، ووظّفتهم وكلّفتهم بالنضال، فزاغ نجم (عادل مراد) في المجال السياسي وجرّد ملا بختيار من أي تأثير، وفي أربيل تمّت المقايضة بشخصية قوية كـ (كوسرت رسول) بـ (ئاريز عبد الله) في الوقت نفسه جعلت من (ئالا طالباني) نجماً سياسياً لامعاً، كما حمل هوستا رسول والدكتور خسرو كول أعباء مسؤولية إبعاد الكوادر القدامى أمثال ملا بختيار على عاتقهم، وتم تعيين شاناز إبراهيم كرقيب على الإتحاد، وممّا لا شكّ فيه أن ظهور لاهور كان نتيجة شهرته وحسنه وجماله وقوته وهيمنته الاقتصادية والعسكرية!

تأثير البكك على لاهور جنكي

في الحقيقة، تلقّى الإتحاد الوطني ضربة موجعة خلال انتخابات عام 2012 ما أفقدته الوعي! فأرادت إيران إعادة صياغة الإتحاد بالأسماء التي ذكرناها أعلاه، فكلّفت البكك وجميل بايك بدعم الإتحاد الوطني لإنجاح مخطّطها وتقوية من اختارتهم لقيادة الإتحاد،

فبذّل بايك جهوداً جبارة من أجل تحقيق نوايا إيران وتقوية جماعة إيران في الإتحاد، فمن صنع من لاهور جنكي بقوته المعهودة الآن هو جميل بايك، وعملية تسليم كركوك للعراق إنّما قادها بايك ولاهور معاً، فسحبت البكك قواتها المتمركزة في داقوق وطوزخورماتو قبل ساعة الصفر بـ 5 ساعات بالتزامن مع سحب الإتحاد لقواته، فحدث ما حدث في الـ 16 من أكتوبر 2017 من أحداث خيانية مؤلمة ودموية منعدمة النظير في تأريخ كوردستان على يد جماعة لاهور جنكي وبافيل طالباني!

قبل أحداث خيانة كركوك الكارثية بـ 4 أيام، وبحجة زيارة مرقد مام جلال، زار قاسم سليماني السليمانية، وعقد اجتماعاً مع كلّ من الاتحاد والبكك، شارك من جانب الاتحاد لاهور جنكي وهوستا رسول والدكتور خسرو، أما من جانب البكك فقد شارك رضى آلتون عضو الهيئة الإدارية لمنظومة المجتمعات الكوردستانية وهو أحد الكوادر القدامى في المنظومة، ودمهات عكيد (سيد خان ئاياز) عضو اللجنة الدبلوماسية للبكك والذي قتل في غارة للمقاتلات التركية يوم 13-تشرين الأول-2019 في جبل أزمر بالسليمانية، وفي الاجتماع، تم وضع مخطّط لمستقبل جنوب كوردستان، بناء مخطّط لشنكال ومخمور وطبيعة العلاقات مع الغرب، فأقسمت هذه الأطراف على عداوتها للديمقراطي الكوردستاني -البارتي- والعائلة البارزانية، وتم بناء شراكة استراتيجية على قدر مشترك بينها!

كما توجّه لاهور وطاقمه بالتزامن مع إجراء الشعب الكوردي لاستفتاء الاستقلال يوم 25-من أيلول-2017 لبغداد على متن طائرة (كابور) للشحن والتي لا تحوي أية مقاعد للركاب! توجّهوا هناك لعقد اتفاقات كما وثّقوا رحلتهم بصورة نشروها على منصات السوشيال ميديا، تلك الصورة التي تمثّل الخيانة بعينها!

مقالات ذات صلة