يا ترى، هل ثمن كلّ عسكري تركي، قرية من قرى الجنوب؟!

يا ترى، هل ثمن كلّ عسكري تركي، قرية من قرى الجنوب؟!

برّرت الدولة التركية تدخّلاتها واعتداءاتها وهجماتها واحتلالها لجنوب كوردستان منذ حزيران العام الماضي، بوجود مسلّحي حزب العمال الكوردستاني البكك هناك، وأطلقت عمليات عسكرية هناك تحت أسماء ومسمّيات لا تخرج عن أطر مخالب الحيوانات وأنيابها (مخلب-النسر-النمر) وسواء أكان الهدف من إطلاق هذه العمليات هو القضاء على البكك وتدميرها كما يزعم الأتراك، أم كان القصد منها احتلال الجنوب كما تدّعي البكك، فليس بمهم، إذ لا تغيّر من وجه الحقيقة شيئاً، تلك الحقيقة التي تؤكّد بل وأكّدتها البكك مراراً وتكراراً من أنها تناضل من أجلها والتي تتجسّد في (أن البكك تناضل وتكافح من أجل دمقرطة تركيا وأخوة الشعوب، وذلك على حساب القضاء على أحلام الكورد في بناء دولة كوردية لهم، واستعباد الكورد وإذابتهم وصهرهم في بوتقة الدول المحتلّة لكوردستان) بعبارة أخرى، نقلت البكك ساحة معاركها وحروبها الشكلية والمزيّفة لجنوب كوردستان بعد تدمير وتهجير وإخلاء المئات من القرى الحدودية لشمال كوردستان، وانصهار وإذابة الكورد من تلك المناطق الكوردستانية في الأتراك، وهي بهذه الخطوة التخريبية عرّضت البقعة المحرّرة الوحيدة من كافة أجزاء كوردستان لخطر عظيم!

سلسلة الهزائم المتواصلة!

في هذا المقال، سنتحدّث عن نقاط جوهرية وهامّة، تتمثّل في:

  • خلال الـ 8 أشهر الماضية، ما حجم الخسائر التي ألحقتها البكك بتركيا بالمقارنة مع الخسائر التي ألحقتها هذه التنظيمات بجنوب كوردستان؟

  • ماذا كانت منجزات البكك وتركيا خلال هذه الأوضاع المتأزمة؟

  • بالمقابل، يا تُرى ماذا كانت منجزات جنوب كوردستان من وراء حرب البكك وتركيا هذه؟

بعدها سنترك -لكم قرائنا الكرام- القرار، هل أن ما تمارسه البكك هو (نضال ومقاومة لصدّ الاحتلال والفاشية؟!) أم هو (تبرير ومسوّغ للاحتلال والفاشية؟).

في منتصف حزيران العام المنصرم 2020، أطلقت تركيا أوسع عملياتها العسكرية في جنوب كوردستان، فيما بدأت بالمرحلة الثانية من هذه العمليات يوم الأربعاء الماضي 10-2-2021، وخلال هذه الفترة الوجيزة، أقامت تركيا أكثر من 28 قاعدة عسكرية في الجنوب، بينما توغّلت أكثر من 18 كم في عمق أراضي الجنوب.

لتوضيح هذه العبارة أكثر:

ما الذي تعنيه التوغّل بمسافة 18 كم عمقاً؟

مع بداية هجماتها البرية في عمليتها الموسومة بـ(مخلب-النسر-النمر) في حفتنين ومحيط قضاء زاخو الحدودي، دأبت البكك على الفرار ومنيت بسلسلة هزائم متكرّرة وهي تواصل الانسحاب والتقهقر، وقد أخلت كافة مناطقها واحدة تلو الأخرى لتركيا، في المقابل، تقيم تركيا قاعدة عسكرية أو نقاط ومخافر لعساكرها في كلّ منطقة تحتلها، بحيث باتت الحصيلة كالآتي:

  • إخلاء 53 قرية تابعة لقضاء زاخو من أهاليها، وتحويلها لمناطق عسكرية.

  • إخلاء 14 قرية تابعة لناحية دركار من الحياة.

  • إخلاء 39 قرية تابعة لناحية باطوفه من الحياة.

ورغم هذا، كانت البكك تردّد: لقد أقمنا القيامة بحق عساكر المحتلّ، بحيث ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت!! غير أن الحقيقة هي أن العملية دامت لغاية شهر آب، وتوقّفت بعدها، ويتّضح من هذا أن البكك وخلال الـ 50 يوم من المعارك والحروب، أخلت 53 قرية وانسحبت منها لصالح تركيا! لتحوّلها هي بدورها لمناطق عسكرية!

ما هو ثمن كلّ قرية من قرى الجنوب؟

تدير البكك في الجنوب حرباً غير متكافئة، بحيث تغيب فيها توازن القوى وتنعدم مساواة كفّتي الميزان وفق المعايير الحربية والعلوم العسكرية، فلا تُقاس قوة الجيش التركي بما يمتلكه من أسلحة متطوّرة وتكنولوجيا حديثة مع أسلحة الكريلا-مقاتلي البكك- التقليدية بالمقارنة مع أسلحة خصمها، وفي ظل الحرب الإعلامية، ينشر كل طرف من المتحاربين إحصائيات وحصيلة الخسائر التي ألحقها بالطرف الآخر، فتركيا تقول بأنها قضت على المئات من مقاتلي البكك وحيّدتهم خلال هذه العملية، من جانبها، نشرت البكك أنها قتلت المئات من عساكر الأتراك، غير أن كلا الجانبين حيّدا عن نشر الحقائق، بل غابت الحقيقة من ساحتهما الإعلامية.

فكلّ كوردي يسعد بمقتل شاب كوردي فكورديته مشكوك فيها حتى النخاع! وهذا ما لا يقبل الجدل والنقاش، غير أنّنا سنضع الحقيقة أمام أنظاركم موثوقة بالإحصائيات والبيانات.

كشفت مصادر خاصة لموقع داركا مازي في جنوب كوردستان، أن حصيلة الهجوم التركي ومنذ اليوم الأول من انطلاق عملية (مخلب-النسر-النمر) أي منذ يوم 15-6-2020 ولغاية يوم 7-10-2020، كانت كالآتي:

  • مقتل 54 من عساكر الأتراك.

  • جرح وإصابة 32 من عساكر الأتراك.

قابله:

  • مصرع 113 كريلا للبكك.

  • إصابة وجرح 30 كريلا.

  • وقوع 23 كريلا أسرى بيد الجيش التركي.

فمن أية زاوية أردت أن تنظر وتحلّل هذا التقرير، فإن الطرف الذي مني بأكبر خسارة في هذه الحرب هو جنوب كوردستان، فقد فَقَدَ الجنوب 53 قرية، فهنا نتساءل: يا تُرى ما هو ثمن كلّ قرية من قرى الجنوب؟ فهل من المنطق أنّ نفدي بقرية واحدة مقابل جندي تركي؟!! وهل يعقل أن يكون هذا صدّاً للعدوان المحتل؟! أم الأولى أن نقول إنه ذريعة وحجة بل وأفضل مبرّرٍ للاحتلال؟ وسندع الإجابة لجنابكم الكرام.

من حفتنين لـ مجمّع باكيرات وجمانكي

منذ المرحلة الأولى لعملية مخلب النسر ولغاية المرحلة الثانية، والتي توسطتها فترة 8 أشهر، اتّجه صوب المعارك من خط الحدود من حفتنين ولعمق الجنوب، ولا نتحدّث عن فرار البكك وهزائمها العسكرية وانسحابها لعمق الجنوب، ما سنفعله هو أنّنا سنضع خارطة جنوب كوردستان امام أنظارنا، وسنرسم خطّاً من حفتنين ليمرّ بمجمع باكيرات ومنها لناحية جمانكي ثمّ جبل گاره، ما الذي سيظهر آنذاك؟ سنقول لكم ما الذي سيظهر، سيتّضح بأن البكك وبعد هزيمتها الأولى في شمال كوردستان في المرحلة الأولى، أرادت البكك وتركيا معاً أن تتذوّق منطقة بهدينان ما تذوّقته قرى الشمال، من بعدها التوجّه لقنديل، وضياع كل من أربيل والسليمانية بعدها وانهيار وتدمير كيان إقليم جنوب كوردستان!

فنحن نلاحظ بأعيننا ما تتعرّض له محيط مجمّع باكيرات من قصف يومي للمقاتلات الحربية التركية، كما رأينا بأم أعيننا كيف قامت تركيا بإنزال ونشر عساكرها يوم الأربعاء الماضي في قرى منطقة بري كاري، وأن البكك وعدا إطلاق بعض التصريحات وترديد بعض الشعارات الجوفاء ونشر بروباغندا إعلامية لم تفعل شيء! وما تمّ التصريح به عن مقتل عساكر أتراك خلال هذه المعارك إنما هو ضمن هذا المخطّط والمؤامرة الهادفة لتحويل إقليم جنوب كوردستان لساحة حرب مستهدفة من ورائها القضاء على الجنوب وإزالته وإلغائه على الساحة الدولية.

باختصار، سنرى بأعيننا أن ما تمّ الإعلان عنه من مقتل 30 عساكر أتراك، والتي تقول البكك بأنها قتلتهم في جبل گاره، لن يمرّ مرور الكرام، بل ستدفع البكك ثمن دمائهم على حساب جنوب كوردستان، وستسلّم عدداً من قرى الجنوب وتهديها لتركيا، باختصار، كان ثمن كلّ جندي تركي خلال المرحلة الأولى من عملية مخلب النسر يساوي قرية من قرى الجنوب، غير أن هذه المرحلة تختلف عن الأولى، إذ حصلت تركيا على تخفيضات في هذه التجارة، فالبكك ستدفع قريتين مقابل حياة كلّ جندي تركي هذه المرة!

ختاماً، نقول لشعب الجنوب، إذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل فإنّ البكك لن تقايض فقط بقرى الجنوب الحدودية وحدها، بل ستقايض بعامة جنوب كوردستان وتفديها مقابل حياة مئات من عساكر الأتراك! فينبغي على شعب الجنوب التيقّظ وفهم حقيقة أن وجود البكك في الجنوب إنما هو لخدمة تركيا وتنفيذ أجندتها، وتوسيع رقعة المناطق الخاضعة لتركيا مقابل تضييق وتقليل مناطق نفوذ البكك مثال حيّ وواضح ودليل قاطع على قولنا هذا، فلو فكّرنا بعقلانية وقارنّنا بمنطق العقل بين هذه الأشياء وما يجري حولنا لاتّضح لنا وبما لا يقبل مجالاً للشكّ حقيقة ما تقوم به البكك هل هو مقاومة وحماية للجنوب أم بيع وإهداء للجنوب للدولة التركية وعلى طبق من ذهب؟

مقالات ذات صلة