تكمن القوة الرئيسية للبكك في دجلها وشعوذتها، فكما يقلّب ساحرٌ منديلاً لعصفورة، أو يخفي عصفورة في قفص بعد تغطيتها بقطعة قماش، فكذلك هي ممارسات البكك بالضبط، فتبدي شيئاً لا وجود له كما تخفي شيئاً حقيقياً عن أعين الناس، لهذا نستطيع تشبيه هذه التنظيمات بالسحرة والمشعوذين!
فالساحر أو المشعوذ ينال تصفيقاً حاراً من المشاهدين علماً أن كل قواه تنصب في خداع أعينهم، فمثلاً عندما يقوم بإخفاء أفعى في قفص على خشبة المسرح، إنما يفعلها لدى تأكده من عدم وجود مخاطر لتلك الأفعى وإلا فلن يقدم على فعل شيء! كذلك البكك فتظهر نفسها كشخصية قوية وطنية جريئة، غير أنها عندما ترى خطر الأعداء يحدق بها يبطل سحرها ودجلها، فمثلاً بشأن أحداث كوردستان سوريا “غرب كوردستان” كانت تقول بأن العالم برمّته بحاجة لنا، وأننا سنحارب وسننتصر سواء تعاونت معنا أمريكاً أم لا! ولولانا لما كانت أمريكا قادرة على إدامة حربها…! غير أنه وبسبب عدم تلقّيها الدعم من القوات الأجنبية في معركة عفرين أرغمت على الانسحاب بعد تعرّضها لخسائر فادحة وتسليم المدينة لتركيا على طبق من ذهب -حسب اتفاقية مع تركيا-.
فبعد انسحاب القوات الأمريكية من على الحدود بين كوردستان سوريا -غرب كوردستان- وتركيا، تخلّت عن سري كانييه -راس العين- وكري سبي -التل الأبيض- خلال فترة عشرة أيام لا غير! فعندما نصارح بهذه الحقائق لا نقصد بها تنقيص قيمة المقاتلين في جبهات القتال تلك والمدافعين عن وطنهم والمستشهدين في سبيله، بل هم محل تقدير واحترام عظيمين لنا، بل نحاول كشف حقيقة ما تقوم به البكك من إطلاقها تصاريح جوفاء بأنها ستشنّ حرباً ضروساً إلا أن التوقعات خانت محلّها إذ لم تنجلي غير بعض المواجهات والاشتباكات الطفيفة والتي استمّدت روحها وقوتها من تأريخ الكوردايتي والمقاومة البطولية لها.
فلا انتهاء لمسيرة السحرة والمشعوذين، فعوض مراجعة البكك لحساباتها الخاسرة في غرب كوردستان -كوردستان سوريا- بدأت بإنتاج حيل من نوع آخر تحت مظلة الوحدة الوطنية!
فيا تُرى هل ستنسجم البكك مع الوحدة الوطنية -القومية-؟!
دائماً ما تلجأ البكك للدعوة لسيناريو الوحدة الوطنية لدى نفاذ كلّ حيلها، غير أن حقيقة البكك وحقيقة فكرها وأيديولوجيتها وهدفها الاستراتيجي تتجسّد في معاداة حقيقة الوحدة الوطنية، فهي تقول بأنه ينبغي على الكورد في طهران أن يكونوا إيرانيين وفي أنقرة أتراكاً وفي العراق عراقيين وفي سوريا سوريين! وهي تنتهج هذه الفكرة أساساً لمسيرتها، وليست تكتيكاً آنياً حسب الظروف والمستجدّات السياسية، بل تبذل كافة جهودها لتكبيل الشعب الكوردي بهذه الدول وإلا لما قالت بأن شنگال جزء من العراق، ولما ناولت الأعلام العراقية للشباب الإيزيديين كما لم تكن لتكون جزءاً من مرتزقة الحشد الشعبي.
نعم، فآخر هموم البكك هو الوحدة الوطنية إن كانت لها هموم! فما تتحدّث عنها من مشروع للوحدة الوطنية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة إنما هو من أجل اقناع أنصارها ومواليها لكي تقول بعدها أنظروا إلى مطالبتنا ومبادرتنا للوحدة الوطنية! وقد احتشدت حولها جيشاً من الأقلام والحناجر المأجورة، كما جمعت 3 أو 4 أحزاب شكلية وتظهر نفسها لها أنها المناضلة لعقد الوحدة الوطنية، لتدّعي بعدها أنها فعلت ما يتوجب عليها فعله إلا أن الديمقراطي الكوردستاني (PDK) -البارتي- لم يرجع للخط القومي الصحيح! غير أن سياسة حرب الخنادق عام 2016، وتسليمها لعفرين عام 2018 وكذلك ما تعرضت له كوردستان سوريا -غرب كوردستان- آنذاك تكشف حقيقة وهن البكك وضعفها سياسياً، وأنها فقدت قواها بشكل كبير، فهي دائماً ما تقول بأن هذا العام سيكون عام الانتصارات وأننا سنقضي على أعدائنا إلا أن زمن هذه الشعارات الجوفاء قد مضى وولّى لغير رجعة، ولكي تسترجع البكك أية اعتبارات لها بين الشعب الكوردي فهي دائماً ما تبدي مظلوميتها، وتبرز نفسها وكأنها القوة الرئيسية الحامية للوحدة الوطنية! غير أن الحقيقة هي أن البكك لا تؤمن بالوحدة الوطنية! بل تسخّر مثل هذه الأفكار لردّ اعتباراتها التي فقدتها ولحشد القوى حولها والتأثير على أنصارها واتباعها…
فهي تتحرّك ضمن هذا الإطار الاستراتيجي لتحقيق هذا الهدف، فقد وضعت البكك أحد قدمي هذه الاستراتيجية الرئيسية على طريق العداء للحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- على وسائل إعلامها، متحدّثة عن الوحدة الوطنية الوهمية، كما وتبدي تقاربات ليّنة فيما عدا الحرب الدامية على الكورد وكوردستان في غرب كوردستان -كوردستان سوريا- بينما وضعت الرجل الثاني لهذه الاستراتيجية على ادّعائها أنها فعلت ما يلزم، وأنها القوة الوحيدة التي تدعو للوحدة الوطنية وتحميها، كما وبدأت خلال الفترة الأخيرة بالعمل على الإساءة للبارتي وتسقيطه سياسياً بأنه لا يريد العودة لمسار الوحدة فيا تُرى ماذا سأفعل؟! بمعنى أن الساحر هنا قلّب الخنجر الموّجه للقومية الكوردية إلى صورة الوحدة الوطنية للكورد!
في الـ 18-1-2020 عُقد اجتماع بمدينة ئامد تحت التوافق الوطني لتعلن “الوحدة الوطنية” غير أن الأحزاب المشاركة في هذا الاجتماع كانت (DTK, DBP, HDP) (الشعوب الديمقراطي- وحزب الأقاليم الديمقراطي- ومؤتمر المجتمع الديمقراطي) وجميعها تتبنّى سياسة البكك في كوردستان تركيا -شمال كوردستان- وتسير على نهجها، وهدفها الرئيسي هو تحقيق مشروع التتريك إذ لا يُعقل أن يحافظ حراك سياسي يصبو لتنفيذ مشروع التتريك أن يحافظ على الوحدة الوطنية ويدعو إليها! فهو بمثابة الجمع بين المتناقضين والتقارب والاندماج بين رؤيتين سياسيتين معاكستين مخالفتين مضادتين!
فهنا سأطرح سؤالاً بسيطاً: كيف بدولة التي لا تسمح للشعوب الديمقراطي (HDP) بالتحرك قيد أنملة، أن تسمح بتأسيس الوحدة الوطنية؟! فيا تُرى هل الدولة مع الطرف الملهي والمغفل للشعب؟! نعم بكل تأكيد، فالدولة واثقة أن مثل هذه المحاولات لن تُثمر! لهذا فهي تريد من الكورد أن يقوموا بإلهاء بعضهم البعض، فالـ (PKK-HDP) تنفّذان مشاريع التتريك في أنقرة بينما تدعوان للكوردستانية في ئامد! فهما سببان لما آلت إليه الوحدة الوطنية من وضع متذبذب غير مستقر يسير خطوة للأمام في حين تتراجع خطوتين!
ختاماً نقول، لا حاجة للكورد لهذا السحر والشعوذة، بل هم بأمسّ الحاجة للوحدة الوطنية الحقيقية، فوجود الشعب الكوردي ومكاسبه محفوفة بالمخاطر، فلا تتحقّق الوحدة الوطنية بالسيناريوهات السياسية أو الاحتفالات، بل ستتحقّق بمحادثات ومناقشات مباشرة وجدية، فهي بحاجة لاستراتيجية وطنية وبرنامج منظّم، وينبغي على البكك أن تدع هذا الدجل والشعوذة وتحرّر إعلامها من جبهة العداء للكورد قبل كلّ شيء، كما يُفترض بالذين ينشرون مقالات تحت أسماء مستعارة أمثال دوران كالكان ومصطفى قاراسو أن يتلافوا ويهجروا ممارستاهم المؤجّجة للصراع والعداء بين الكورد!