بقلم: دلوفان علي
عام 1992، وبداية تشكيل برلمان كوردستان، أصبح الكيان الواقعي المفروض (إقليم كوردستان) أمنية الكورد في العالم أجمع، فبعد مئات السنين بني أول واقع حقيقي للكورد في المنطقة، حيث كان ثمار دماء الآلاف من القادة والبيشمركة والمقاتلين الكورد في كفاحهم ونضالهم ومقاومتهم البطولية على مدى عقود من التأريخ.
فعندما أصدر “آبو” ورفاقه في ظلّ الاستخبارات السورية وحضنها في سهل البقاع قرار “الموت للكورد” لم يكن قد سبقهم إلى ذلك أحد حتى الدول المحتلة لكوردستان، فهم كانوا أول قوة أبدت عدائها لهذا الكيان الكوردي، وقرّرت الحرب على جنوب كوردستان -إقليم كوردستان- علماً أن هذا القرار أيضاً ليس بجديد، فالـ PKK ومنذ بداية تأسيسها وأول بيان لها قرّرت إبادة الكورد، والمتابع لتأريخ الـ PKK لا يجد سوى الدماء والقتل وعمليات التصفية الجسدية في ثناياها، فتأريخها تأريخ دموي مقيت…
أين تربى وتثقّف أوجلان؟
عام 1978، عندما أعلنت الـ PKK عن تنظيماتها في قرية (فيسي) كحزب سياسي، كان أوجلان مجرد عضو مؤسّس من بين جماعة الأعضاء المؤسّسين للـ PKK، وكان مظلوم دوغان ومحمد خيري دورموش وآخرون يديرون هذه التنظيمات، وكانت مجموعة أنقرة معروفة بالمجموعة الكوردية الأكثر دموية، فكانت تضمّ أشخاصاً متأثرين بالفكر اليساري المتطرّف، ليصبحوا فيما بعد وبسرعة فائقة سرطان الكورد، فنفّذوا كل أعمال القتل والإرهاب والاغتيالات داخل صفوف تنظيمات الـ PKK، وكان أوجلان قد تزوّج بابنة مسؤول بارز في الاستخبارات التركية (علي يلدرم) ما ساعده على التقدم من بين هذه المجموعة لاستحصاله المعونات المادية والمعنوية لهذه المجموعة، فكان منزل (كسيره يلدرم) مبيته ليل نهار، فوقع تحت تأثير نظريات ورؤى والدها (علي يلدرم) وهناك تربّى وتثقّف، بعدها وعندما انشقّت كسيره عن الـ PKK وتترك صفوف تنظيماتها، يقول ئابو في تصريح له بأن: الاستخبارات التركية زرعت “كسيره” بيننا، فهي قد خانت الـ PKK!
لتردّ كسيره يلدرم في تصريح لها على أوجلان: “نعم هوكان أبي، غير أنني لم أحبه يوماً، إلا أنك ومنذ أن ولدت تجلس في مجالسه وتأتمر بأوامره وتوجيهاته!” ما معناه أن آبو ومنذ بدايته كان جزءاً من مؤامرة الاستخبارات التركية، وأنه تربّى وتثقّف على يد الاستخبارات التركية بامتياز، كلّ ذلك من أجل القضاء على الشعب الكوردي وتدميره.
بقاع، الجحيم الذي لا يطيق الإله العيش فيه!
من له أدنى إلمام بتأريخ الـ PKK يدرك جيداً أن أكاديمية الـ PKK في سهل البقاع كانت أكبر مجزرة للكورد، وبالأخص لأولئك القادة المنشقّين عن صفوف تنظيمات الـ PKK، فكلّ واحد منهم يتحدّث بشكل عن هذا الجحيم الأبدي الذي بناه أوجلان ورفيق دربه يالجين كوجوك الكمالي للكورد، فقد أصبح أوجلان نبياً في أكاديمية معصوم قورقماز لا يُعصى له أمر ولا تُخلف له كلمة والـ PKK من مفرق رأسها ولأخمص قدميها كانت خاضعة مستعبدة لهذا النبي المزيّف، وهو بدوره كان يأخذ أوامره وتوجيهاته من يالجين كوجوك ووكالة الاستخبارات التركية والسورية!
فالمجازر التي بناها أوجلان كانت شبيهة بالتي بناها هيتلر في ألمانيا لقتل اليهود وحرقهم فيها، فقد أعاد أوجلان السناريو الذي بدأه هيتلر ولكن في البقاع! فقتل آلاف الكورد ودفنهم في هذا الجحيم، فها هي دماء (شاهين صالح) ومئات كوادر الـ PKK وقادتها تجري كأنهار في سهل البقاع، فأوجلان لم يكن تستكنّ له نفس أو تهدأ ما لم يرق دماء هؤلاء الكوادر والقادة ويطلق عيارات الفرح والانتصار ويقيم الدبكات على جثثهم المخضرّة بالدماء كما فعل على جثة (محمد شنر ودلاور يلدرم)!.
والجانب الآخر المظلم لدى أوجلان كان يكمن في الاستهتار والاستهزاء بالمرأة ونضالها، إذ كان يستعبدها، فكان يحتشد النساء من حوله دوماً ككهنة آلهة المصريين القدامى، وتجريدهن من أي إرادة أو تأثير، ويظهر هذا جلياً في مؤلّف لـ “نجدت بولدان” حول المرأة في صفوف الـ PKK، فالكتاب خير دليل على مكانة المرأة لدى أوجلان وكيفية استهزائه واستهتاره بالمرأة الكوردية وممارسته لكلّ ما هو دنيء بحقّهن في صفوف تنظيماته!
كيف أستشهد محمد شنر؟
بعدما تمّ انتخاب محمد شنر كعضو للجنة القيادية لتنظيمات الـ PKK وانتخاب “ساري باران” القائد العسكري، لم يعجب ذلك أوجلان بل استاء منه لدرجة كبيرة، ولم يكن ليتقبّل ذلك إطلاقاً ويعترف بفشله وهزيمته، فشخصية محمد شنر كانت محبوبة لدى الشعب الكوردي لما تتّسم من صفات حسنة من إخلاص وطني وقومي ولما يتمتّع به من بطولة قومية، فكان مثالاً للتضحية والفداء للوطن ولم يستنكف يوماً عن الدفاع عن وطنه وشعبه، ولم يتفكّر حتى لحظة في معاداة قومه وأمته، بل كان أيقونة المقاومة والنضال في سبيل الحرية واستقلال كوردستان، فكان بيشمركة بطلاً متأهباً للذود عن حمى الوطن، فكان حبّ الشعب وتقديره لهذا الشخص يزداد يوماً بعد يوم، في تأثير طردي عكسي على شخصية أوجلان التي كانت تثير غضباً يوماً بعد يوم! فـ “شنر” كان بمثابة تهديد يدكّ عرش أوجلان وسلطانه، فكان الشخص الأول في صفوف تنظيمات الـ PKK، إذ كانت غالبية الناس تقف مع هذا الشخص سواء في أوروبا أو في كوردستان تركيا -شمالي كوردستان- كما كانت غالبية عناصر الگريلا تقف معه وتقدّره وتحبه أيما حبّ! وهذا ما جعل أوجلان يشعر بقلق عميق، وبالأخص بعدما تأكّد بأنه هو وجماعته يفقدون تأثيرهم ويتّجهون نحو الحضيض، فشعر بخطورة الموقف ورأى من الضروري التحرك، فاستعان بالاستخبارات السورية وكلّف مسلّحاً مقرباً منه يدعى (محمود رش) باغتيال محمد شنر، فقام باغتيال شنر يوم 1-11-1991 في قامشلو بطريقة وحشية همجية! بعدها قام أوجلان ورفاقه وجلاوزته بإطلاق عيارات الفرح والسرور وإقامة الدبكات على جثمان الشهيد شنر! آنذاك كانت ساكنة جانسيز “ساره” -زوجة محمد شنر-
تذرف الدموع في زاوية مظلمة من حياتها خوفاً من استهدافها هي الأخرى، دون إبداء أي ردّ فعل! ها هنا بداية ولادة النبي المزيّف في سهل البقاع والذي سمّى نفسه فيما بعد بـ “القائد آبو”!
النبي الزائف في البقاع ومجزرة الكورد
بعد أن حوّل أوجلان شخصيته لـ “نبيّ مرسل” وفرض على رجالاته ومحيطه السمع والطاعة العمياء، بدأت الدموية والوحشية تسيطر عليه ليبدأ بتصفية قرنائه ومعارضيه.
فاغتيال شنر فتح الطريق أمام آبو ليقوم بدور الآلهة فوق هذه التنظيمات، فكان يتمتّع بعلاقة وطيدة مع حافظ الأسد والاستخبارات السورية ليصل لحدّ أن يكون عاصف شوكت رئيس الاستخبارات السورية رفيق آبو وصديقه المقرّب.
فلم يكن أحد قادراً على الصمود والوقوف أمام آبو ومنهاجه، أو انتقاده في سهل البقاع، فكان الموت المحتوم مصير كلّ من ينتقد الـ PKK أو آبو ونظامه!
فتمّ اعتقال (سليم جروكايا) وزوجته (آيسل جروكايا) من قبل اوجلان، ومورس أشدّ صنوف التعذيب بحقّهما، ليجبرا على الانشقاق عن الـ PKK والالتجاء لألمانيا بعدها.
كما واغتيلت ساكنة جانسيز عام 2013، في قلب العاصمة الفرنسية باريس على يد عضو للاستخبارات التركية (MIT) وعضو للـ (PKK)!
كما تمّ تصفية “دلاور يلدرم” الكادر المعروف لدى تنظيمات الـ PKK على يد أوجلان، ليقوم بعدها بإطلاق رصاصات الفرح على جثمانه كعادته! إلا أن اغتياله لم تستكنّ أو تهدأ له نفس آبو، ليقوم بممارسة صنوف أنواع التعذيب بحقّ أخته (آيتن دلاور) حتى الموت!
كما تم اغتيال شاهين باليج “متين” العضو القيادي للـ PKK وأحد القادة العسكريين لهذه التنظيمات عام 1990 في أكاديمية معصوم كوركوماز في سهل البقاع بأمر مباشر من آبو!
هذا وهناك المئات من القصص الدموية المأساوية التي حدثت على يدي آبو أو جلاوزته وجلاديه، بحيث أصبح سهل البقاع أكبر مقبرة جماعية تضم رفات الآلاف من الكورد!
التأريخ لا يرحم كما لا ينسى، فأوجلان وتنظيماته الـ (PKK) أصبحوا نقطة سوداء في تأريخ كوردستان بأجزائها الأربعة وجرحاً غائراً في جسد الشعب الكوردي على مدى الدهور…