أيا ترى: هل بلغت قوات الدفاع الشعبي HPG المرحلة الثانية في حربها ضدّ بيشمركة كوردستان؟

أصدر المركز الإعلامي لقوات الدفاع الشعبي HPG في الـ 6 من حزيران الجاري (6/2022)، بياناً مكتوباً يتضمّن تهديداً لمؤسّسات حكومة إقليم كوردستان وقوات البيشمركة، كما تضمّن البيان تحذيراً “ببدء حرب عامة تشمل عموم إقليم كوردستان” هذا والحقائق المخفية بين سطور بيان الـ HPG تكشف أن هذه القوات وصلت المرحلة الثانية من حربها ضدّ قوات بيشمركة كوردستان في شهر حزيران.

تدير قوات الدفاع الشعبي والتي تعتبر الجناح المسلّح لحزب العمال الكوردستاني PKK حرباً كامنة خفية ضدّ بيشمركة كوردستان منذ فترة، فقد استشهد 13 من كوكبة بيشمركة كوردستان وجرح العشرات منهم على يد الـ PKK خلال أقل من عام ونصف العام، كما زرعت الـ PKK المتفجرات على طرق البيشمركة والمدنيين، وتجسّست على مواقع قوات البيشمركة بالطائرات المسيرة، وقد شنّت هجومين عدوانيين منذ 30 أيار على مواقع البيشمركة في كابنيركى بمنطقة برواري بالا، فبيان الـ HPG مؤشّر صريح على بلوغ حرب الـ PKK ضدّ إقليم كوردستان والبيشمركة مرحلتها الثانية، وأن هجماتها المتوارية الخفية ستتحوّل لهجمات علنية واسعة وتأخذ أبعاداً وأشكالاً شتّى.

أين يقع مقرّ قوات الـ PKK؟

ادّعى بيان HPG اندلاع معارك ضارية ضدّ الجيش التركي في شمال وشرق منطقة متينا، وأن الدولة التركية تحاول احتلال جنوب متينا، كما قيل في البيان بأن أعالي منطقة متينا “أي قسماً من قمم جبل متينا تحت سيطرة قواتنا”.

غير أن حقيقة الوضع على الأرض في تلك الجبهة لا تثبت شيئاً ممّا ادّعته الـ PKK ولا توثّقه، فلا وجود لأية قوة للـ PKK في أية قمة في متينا، فبعض القمم يتمركز عليه قوات بيشمركة كوردستان، بينما يتمركز العساكر الأتراك على التلال المطلة على منطقة الزاب، وقد انتشرت قوات بيشمركة في تلك المنطقة بعد عام 2020 لمنع تقدّم الجيش التركي فيها، وبالأخص عام 2021 فقد تمركزت قطعات من قوات البيشمركة في المناطق الجبلية وانتشرت فيها لإبعاد المعارك الدائرة بين الجيش التركي ومسلّحي الـ PKK من المدن والمناطق الآهلة بالسكان.

ففي ليلة 25-26/ أيار، احتلّ الجيش التركي تلة هكاري و FM وتلة جودي وتمركز فيها، ولم تبق أية قمم في جبل متينا تحت سيطرة الـ PKK، بحيث نستطيع القول أنه لم تبق من قواتها سوى بعض الوحدات الصغيرة المتنقلة وبعض الأنفاق، فلم تبق من قواتها سوى ما ذكرناها، وقد سلّمت الـ PKK المنطقة بالكامل للعساكر الأتراك.

الـ PKK تحاول التمركز في الجبل المطلّ على قرية كوهرزي وبرجي وخلف سركلي وقمة باكولكي

أمّنا من الناحية العسكرية، يعطي هذا دلالة أنه لم يتبقّ أي وجود للـ PKK في خطّ متينا والزاب وآفاشين أي بمعنى فقدانها لجبهتها الخلفية، ولهذا تحاول فتح جبهات جديدة، واستراتيجيتها الجديدة هذه تتمثّل في نقل الحرب للخط الفاصل بين قضاء آميديي -العمادية- وديرلوك وإيصال نار المعارك هناك، فتتمركز قواتها على تلة (باكولكي) المطلة على العمادية، علماً أن الـ PKK كانت تقصف مركز قضاء العمادية بقذائف الهاون عام 1997 من تلك التلة، وهذا بمعنى تحوّل مركز قضاء العمادية لساحة حرب، وهذا ما يستحيل أن تسمح به سلطات إقليم كوردستان والبيشمركة، فمحال أن يُترك مركز قضاء العمادية للـ PKK.

ما الذي ستنجزه الـ PKK في التلال التي تريد انسحاب البيشمركة منها؟!

منذ الربيع، جعلت الـ PKK من التلال التي تمركزت قوات البيشمركة فيها حديثها اليومي على وسائل إعلامها، وتحاول جاهدة انسحاب البيشمركة من تلك المناطق، ولهذا تطالب بمناطق برواري بالا وخطّ العمادية-متينا، آنذاك ماذا ستفعل الـ PKK في تلك المناطق؟ فالـ PKK التي لم تقدر على حماية تلة واحدة تتواجد عليها كتلة هكاري وتلة جودي اللتان تتواجد عليهما لـ 40 سنة الماضية، بل أهدتهما للجيش التركي المحتلّ خلال ليلة! ولكن عندما حاولت قوات بيشمركة كوردستان التوجّه لتلك المنطقة جعلت الـ PKK هذه المحاولة مبرّراً وحجة لاندلاع اقتتال داخلي! فلو لم تجعل الـ PKK تمركز قوات البيشمركة في تلك المنطقة سبباً للحرب لما استطاع الجيش التركي من احتلال قمم (كوركو وبنافي) أبداً!

ولو انسحبت قوات البيشمركة من قمم متينا وبرواري بالا وتركتها للـ PKK فلا شكّ أن الـ PKK ستهديها للجيش التركي في أقرب فرصة ممكنة، فحماية المنطقة والدفاع عنها لا يتمّ بحفر الأنفاق وثلّة من الأطفال والشباب! فمصير هذه المناطق عاجلاً أو آجلاً هو السقوط بيد الدولة التركية المحتلّة، غير أن هذه المناطق لو بقيت في ذمّة قوات بيشمركة كوردستان وتحت حمايتهم وسيطرتهم فلا يستطيع الجيش التركي التقدّم قيد أنملة تجاهها، وهذا ما جعل الشعب الكوردي وسياسيي إقليم كوردستان أن يقفوا وقفة جدّية حول (أيا ترى ماذا تريد الـ PKK من أجل تسليم هذه المناطق أيضاً للجيش التركي؟!” فما اعتداءات الـ PKK وهجماتها على مواقع بيشمركة كوردستان إلّا وسائل لتمهيد الطريق وتعبيده أمام الجيش التركي لاحتلال هذه المناطق بكلّ سهولة ويسر!

فالـ PKK ستشنّ هجمات على مقار وقواعد البيشمركة في منطقة نهيلي لإرغام أهالي مركز آميديي وديرالوك وشيلادزي على الهجرة والنزوح من مناطقهم، لتقوم بعدها بالسيطرة على جغرافية نهيلي وسهل الزاب -دشتا زي- وقطع طريق بارزان-سوران ودهوك، وإخلاء المنطقة من أية مظاهر للحياة كما فعلت في منطقة نيروه-ريكان، وتشير المعلومات المتوفّرة أن الـ PKK تستخدم طائرات درونز للتجسّس على سواتر ونقاط مراقبة البيشمركة، وأنها ستستخدم هذه الدرونات في الأوقات المقبلة لشنّ هجمات على تلك المواقع، كما تشير بعض المعلومات أن الـ PKK تخطّط لهجمات بالصواريخ كذلك.

استراتيجية الـ PKK: استفزاز بيشمركة كوردستان واستدراجه للحرب واتّهامه بإشعال اقتتال أخوي!

الهدف من هجمات واعتداءات الـ PKK على بيشمركة كوردستان وخلق الفوضى في المنطقة من خلال ممارسة أعمال إرهابية هو استدراج البيشمركة لحرب داخلية، فمنذ فترة طويلة تحاول كلّ من الـ PKK والجيش التركي استفزاز قوات بيشمركة كوردستان لجرّه لحرب وطيسة، ولكن رغم كلّ هذه المحاولات استطاعت قوات بيشمركة كوردستان ضبط النفس وعدم الانجرار وراء هذه الممارسات لحرب عبثية، والسير على وتر شديد الحساسية دون الوقوع منه في أتون حرب دامية.

وقد لعب الزعيم السياسي الكوردي (مسعود بارزاني) دوراً بارزاً ورئيسياً في بناء هذا الموقف الصامد والحكيم لإقليم كوردستان والبيشمركة، فعندما حرّم وجرّم بارزاني الاقتتال الأخوي بين الكورد، نقل مسار القضايا للدبلوماسية والسياسة عوض فوهات البنادق، ولم يدلي أي قيادي أو مسؤول في إقليم كوردستان بتصريح خلاف ذلك لغاية الآن، بخلاف قادة الـ PKK وكبار مسؤوليها، فهم في محاولات دائمة ومستمرة لتقنين وشرعنة الهجمات والاعتداءات على بيشمركة كوردستان، فقالت بسي هوزات في الـ 3 من أيار “لو حدث قتال بين الـ PKK والبيشمركة فلا يدخل في خانة الاقتتال الأخوي” كما قال مصطفى قارسو نفس الكلام عندما قال في الـ 20 من أيار “الحق أن أية حرب ضدّ الديمقراطي الكوردستاني PDK لا تحتسب من الاقتتال الأخوي”.

الـ PKK مستاءة من تصريح لمحافظ دهوك

استاءت الـ PKK كثيراً من تصريحات أدلى بها محافظ دهوك وكذلك كبار مسؤولي وزارة البيشمركة، ولهذا ورد ذكر التصريحين في بيان HPG، وسبب استياء الـ PKK من كلام محافظ محافظة دهوك هو أن محافظ دهوك (علي تتر) كان قد أثار خلال حفل تأبين استشهاد 5 من بيشمركة كوردستان على يد الـ PKK موضوع أنّنا لا نؤمن بالحرب، وأن الـ PKK لا تؤمن بإقليم كوردستان وأنها تستهدف قوات بيشمركة كوردستان وتستشهد صغارنا وتزرع المتفجرات في طرق البيشمركة والأهالي على حدّ سواء وأنها تسعى إلى تقويض الحرية التي يتمتع بها سكان الإقليم وتنفّذ مخططات أعداء كوردستان، وفي ختام حديثه طالب الـ PKK بنقل حربها مع الأتراك من إقليم كوردستان وإبعادها عنه…

علي تتر أوضح خلال حديثه أن سياسة الـ PKK هو “حماية حدود اتفاقية سايكس بيكو”

فقد استشهد 12 من بيشمركة كوردستان على يد الـ PKK في المنطقة الإدارية الخاضعة لسلطة محافظ دهوك (علي تتر) وبقي العشرات من الأطفال يتامى، وتقوم الـ PKK بزرع المتفجرات على الطرق بشكل شبه يومي، وها هي اليوم تحاول تحويل آميديي وشيلادزي لساحة حرب، مع كلّ ما مرّ، أيا تُرى هل تأمل الـ PKK شكر (علي تتر) لها وثناءه عليها؟!

فالـ PKK نشرت لغاية الآن من التصاريح التي تنتقص من شأن حكومة إقليم كوردستان وقوات البيشمركة والعائلة البارزانية الكثير الكثير، بل أطلقت عنان وسائل إعلامها في هذا المجال دون رادع، غير أن إقليم كوردستان اختار الصمت بحكمة وعقلية فذّة حينما تأكّد أن ذلك سبيل لخلق الاستفزازات، بخلاف الـ PKK فقد استاءت من ردود كانت محقّة، والحق أن صمت كبار مسؤولي إقليم كوردستان حول هذه المواضيع وغضّهم الطرف عن ممارسات الـ PKK جعلتها تتمادى في غيّها وجبروتها واعتداءاتها، لذا ينبغي من الآن فصاعداً الكشف عن حقيقة علاقات الـ PKK مع الدولة التركية وإفشائها للعلن، فهذا وحده كفيل بالصمود أمام هجمات الـ PKK وإيقافها في حدّها الذي لا ينبغي عليها تجاوزه.

وما نشرته الـ PKK على لسان قوات الدفاع الشعبي HPG لم يكن مجرد تصريح إعلامي بقدر ما هو مخطّط بككي ضدّ قوات بيشمركة كوردستان، ينبغي على كلّ شخص التيقظ والحذر والحيطة تجاهه.

مقالات ذات صلة