بعد تصريحات وتقييمات مصطفى قره سو حول نضالهم وتضحياتهم بالشعب الكوردي من أجل بقاء نظام الأسد، ها هو جميل بايك يطلّ علينا من نفس النافذة ليؤكّد ويوثّق صحة أقوال رفيق دربه قره سو، مؤكّداً أن البكك ناضلت بكلّ قوتها من أجل بقاء نظام الأسد على قدميه في سوريا، وأن الفضل في بقاء الطغمة الحاكمة في سوريا يعود لهم وتنظيماتهم!
ما دلالات ومعاني تصريحات بايك؟
منذ بداية حقبة المفاوضات والمحادثات بين النظام السوري والدولة التركية، يكرّر قادة البكك في خطاباتهم من أنهم وحزبهم البكك ناضلوا بكلّ قوة من أجل بقاء نظام الأسد في سوريا.
وكما قلنا، كانت آخر تصريحات قادة البكك وتقييماتهم صدرت من القيادي البارز في هذه التنظيمات مصطفى قره سو، عندما قال بأن البكك هي الضامن لغاية الآن في بقاء النظام السوري على قدميه، ليظهر بعد بايك مؤكّداً صحة أقواله من أن الفضل في بقاء النظام الأسدي يعود لحزب العمال الكوردستاني بكك.
جميل بايك: “يمكن أن يكون لديهم (إشارة إلى حزبه) بعض الأخطاء”
فخلال مشاركته في برنامج خاص على قناة (Stêrk TV) البككية، أكّد الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) خيمة البكك، جميل بايك أنهم ناضلوا من أجل بقاء النظام السوري على قدميه، وأن الفضل في بقاء الأسد يعود للكورد.
وتابع جميل بايك حديثه: ” يمكن أن يتلقى الكرد بعض الأضرار، لكن سوريا ستتعرض لأضرار كبيرة، إنهم لا يريدون أن يبقى هذا النظام، وأن تبقى سوريا على حالها، إنهم يريدون إحداث تغيير من خلال العصابات في سوريا، هذه هي الحقيقة، ولهذا السبب قام الكرد بحماية سوريا حتى الآن، ومنعت انهيارها وجعلتها واقفة على قدميها، يمكن أن يكون لديهم بعض الأخطاء، ولهذا يمكن ان يكون هناك بعض الانتقادات لسوريا على الكرد، ولكن يجب أن لا يكون هذا مستوى للعداوة، تستطيع تركيا أن تكون معادية، فهي عدوة للكرد، عدوة للمرأة، وعدوة للديمقراطية والحرية، كما إنها تحقق ذلك، إن لدى سوريا بعض الانتقادات ضد الكرد، ولا يمكنها أن تصلها إلى مستوى العداء مثل أردوغان، إذا فعلت ذلك فإنها ستجلب نهايتها، إنني أعتقد بأن سوريا لن تنخرط في هذه السياسة الخطرة، بل ستطور علاقتها مع الكرد، وستحل مشاكلها معهم، وهذا سيحمي وحدة سوريا، كما أنني أدعو وأطالب على هذا الأساس من أجل سوريا”
لماذا يموت الكورد في كوردستان سوريا-غربي كوردستان؟!
يفهم من كلام بايك أن تركيا هي وحدها عدوة الكورد! وكأن الدولة السورية لم تعادي الكورد إطلاقاً! وأنها ليست محتلة لجزء من كوردستان؟! فعندما يقول بايك بأنه “يمكن أن يكون لديهم -أي للكورد- بعض الأخطاء” فهي بمعنى أن الدولة السورية التي تسرق منذ عقود خيرات كوردستان سوريا من نفطها وقمحها وجميع خيراتها، بل وتقوم باستيطان العرب في وطنهم في أبشع عملية تغيير ديمغرافي لكوردستان سوريا، بمعنى أن هذه الدولة ليست محتلة لكوردستان! بل هي دولة صديقة للكورد وحليفتهم!
وهنا نتساءل: ما الأخطاء التي ارتكبها الكورد في سوريا؟! فهم يعيشون على أرضهم بلا هوية منذ عقود، سلبت منهم هويتهم ولغتهم الأم وثقافتهم، احتلت أرضهم ووطنهم وهجّروا من قراهم ومناطقهم وديارهم، تمّ تغيير أسماء قراهم ومدنهم… مقابل كلّ هذا، حاربت أجنحة البكك وإصداراتها السورية (وحدات حماية الشعب YPG وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”) خلال الـ 13 عاماً الماضية بالوكالة عن النظام السوري في حلب ودير الزور والحسكة، ضحّوا بآلاف الكورد في هذه الحرب، بل ضحّوا بآلاف الكورد من باقي أجزاء كوردستان الأخرى في هذا الجزء من كوردستان وباسم تحرير كوردستان، حيث قضى المئات بل الآلاف من كورد باقي أجزاء كوردستان حياتهم… من أجل بقاء نظام الأسد على قدميه!!
مقابل ماذا؟ ما الوعود التي قطعها نظام الأسد على نفسه للبكك مقابل تقديم الكورد قرابين من أجل بقاء هذا النظام واستمراريته؟! نعم، هذا ما يجب على البكك توضيحه للشعب الكوردي.
سياسة الأسد تجاه الكورد
هناك أربعة قوى ودول استعمارية بل احتلالية في الشرق الأوسط، احتلّت كوردستان منذ القدم، ورغم أن سوريا لا ترتفي لمستوى الدول الثلاثة الأخرى المحتلّة لكوردستان (إيران تركيا العراق) استبداداً وظلماً وقمعاً وإبادة ومجازراً… وأنها الحلقة الأضعف في المربع الاحتلالي لكوردستان، إلا أنها كباقي أخواتها من دول الاحتلال لم تدّخر جهداً في طمس الهوية الكوردية ومحاربتها، سوى بعض الفترات التي ارتأت هذه الدولة أنها في أمس الحاجة إلى وجود بعض التنظيمات الكوردية وذلك من أجل استخدامهم ضدّ دول الجوار، ومن المعروف أن السلطة الحاكمة في سوريا علوية لهذا استخدم هذا النظام الكورد وقدّم لهم الدعم في حربها العقائدية والطائفية ضدّ العرب السنة، وهذا ما يفسّر الدعم المتقطّع للنظام السوري لبعض الأحزاب والتنظيمات الكوردية في فترات متقاطعة، وإلّا فإن الدولة السورية لم تكن مستعدّة يوماً ما في قبول الحقوق المشروعة للكورد في كوردستان سوريا-غربي كوردستان.
فحتى في العام المنصرم، صرّح وزير التربية السوري أنهم سيسمحون لدرس اختياري واحد (ساعة واحدة في الأسبوع) للغة الكوردية، أي أن نظام الأسد لم يكن على استعداد لمنح أية حقوق للكورد، وعندما كان هذا النظام يضطرّ لاستخدام البكك لم يكن يدّخر جهداً في ذلك لتحقيق مصالحه، علماً أن هذا النظام لم يستخدم البكك ضدّ الدولة التركية بقدر استخدامها ضدّ الكورد وقمعهم! فمنذ عام 1985 أبرمت معاهدة بين البكك والدولة التركية تقضي بأن البكك مسؤولة عن عرقلة الراديكاليين من المكون الكوردي في غربي كوردستان-كوردستان سوريا.
فكانت البكك سدّاً منيعاً أمام الكورد المطالبين بأي نوع من الانفصال المتعطّشين للحرية والاستقلال، وأدّت مهامها في هذا المجال على أحسن وجه وبجدارة وامتياز، وهي مازلت في علاقات مستمرة مع نظام الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي، ونقلت الآلاف من مناضليها بالطائرات من دمشق لطهران وأورميه، وأرسلت الآلاف من مقاتليها ومسلّحيها من دمشق لقامشلو عن طريق القطارات، ومن ديرك للحدود العراقية بالسيارات، وكان أوجلان يتسكّع في شوارع دمشق واللاذقية دون خوف أو وجل، وبعد الألفية الثانية أقام جميل بايك عامين في قصر أوجلان وفيلته في دمشق، وتكفّل النظام الأسدي حمايته، وتوجّه من هناك عام 2002 لطهران لينتقل منها إلى قنديل، في نفس العام، سلّمت الدولة السورية العشرات من كوادر البكك ومقاتليها من كوردستان تركيا-شمالي كوردستان للدولة التركية، واعتقل العديد من أهالي غربي كوردستان-كوردستان سوريا في حلب ودمشق، ومورست صنوف التعذيب بحقّهم!
ورغم أن البكك وقادتها الذين كانت تربطهم علاقة صداقة وثيقة مع نظام الأسد لأعوام، يعيشون في كوردستان سوريا، ولكن للأسف الشديد لم يتقدّم شعب هذا الجزء من كوردستان ولو بخطوة للأمام، ولم يتذوّق طعم الحرية والازدهار، ولم ينالوا أية حقوق لغاية اليوم.
فما تفعله البكك اليوم إنّما هو استثمار محض لمشاعر الوطنيين والشعب الكوردي في كوردستان سوريا، والمتاجرة بهم وبمواقفهم الوطنية وإخلاصهم في بازاراتها السياسية مع الدولة السورية، وهذا الضرب من العلاقات البككية ليس محدوداً بالدولة السورية، بل تمارس نفس الأسلوب بحق الشعب الكوردي في كوردستان إيران-شرقي كوردستان وتتاجر بسيطرتها على شعب كوردستان إيران مع طهران وكذلك تفعل مع الدولة العراقية بالنسبة للشعب الكوردي في إقليم كوردستان… فاستراتيجية البكك وراء السيطرة على الكورد إنّما هي من أجل بيعهم في بازاراتها السياسية وبالأخص مع الدول المحتلّة لكوردستان.
فكلام بايك عندما قال: “يمكن أن يكون لديهم-أي للكورد- بعض الأخطاء، ولهذا يمكن أن يكون هناك بعض الانتقادات لسوريا على الكورد…”بمعنى أنهم قد يكونون علاقات مع أمريكا ويتحالفون معها، إلّا أنّني لن أسمح لها بالتقدم أكثر، وأنّنا سنعود إلى سابق عهدنا وعلاقاتنا معكم كما في عام 1990”.
فبايك قال هذا الكلام على شاشات فضائية البكك دون خجل! لأن خداع الشعب الكوردي وتضليله طبيعي بالنسبة لهم، وكأنهم يزاولون الدبلوماسية، ويظهرونه للرأي العام بكلّ أريحية!
والبكك تعيد هذه النقاشات على وسائل إعلامها مرات ومرّات لتبدو الأمور طبيعية، إلّا أن هذا الكلام ليس بحثاً عن الحلول إطلاقاً، ليس موقفاً دبلوماسياً، بل هو كلام لتجريد الجبهة الكوردية المعادية للاحتلال والاستعمار من أية معان أو دلالات، نعم للتلاعب بوعي الكورد وعقليتهم وتغييرها.
أصبحت كوردستان سوريا عالقة بين فكّي كماشة الاحتلال التركي والسوري، بين المطرقة والسندان، مهدّدة بالانهيار والدمار والزوال في أية لحظة، وما إصرار ودعوات قادة البكك ومسؤوليها إلا مؤشّراً على أنهم سيسلّمون كوردستان سوريا-غربي كوردستان لسوريا لا محالة، وعليه فالأفضل بنظر البكك استحصال بعض المصالح في عملية المبادلة هذه!
نعم، فحتى الأطراف والحركات والمكونات المعتدلة الأخرى في كوردستان سوريا، لم تقدر لغاية اليوم على اجتياز فضاء تأثيرات البكك، ولو قدّر لقدر غربي كوردستان ومصيره أن يكتب بيد أمثال جميل بايك ومصطفى قره سو المنسلخين عن المشاعر والقيم والمبادئ الكوردستانية، ولو كانت الحلول تكمن في محادثاتهم ومفاوضاتهم مع المؤسّسات الاستخباراتية في دمشق فإن الشعب الكوردي هناك سيدفع ضرائب باهظة لا ينساها طيلة حياته، نعم، سيفقد ما ليس بقابل للتعويض!
فمهام البكك في الشرق الأوسط بعد الألفية الثانية (2000) تنحصر في الوقوف بوجه نيل الكورد لحقوقهم وأهدافهم من حقّ تقرير المصير، وتأسيس دولتهم، وتحويل الكورد لعبيد مشرّدين متسوّلين على قارعة الطريق وأمام عتبة أبواب عواصم دول الاحتلال…