لو بحثتم على الإنترنت عن (فيان سوران) لرأيتم عناوين بارزة ومتنوعة وباللغتين العربية والكوردية على حدّ سواء من أن فيان سوران فتحت صفحة جديدة في أسلوب النضال والمقاومة، وأنها تأريخ حافل من النضال والمقاومة… وغيرها من العناوين الجذابة لمواقع حزب العمال الكوردستاني بكك حول هذه الفتاة… فيا تُرى من هي فيان سوران؟ وما حقيقة قصتها؟
من هي فيان سوران؟
امرأة في الـ 25 من عمرها، قامت بإضرام النيران بجسدها زاوية جبل ما في شتاء بارد وقارس… لماذا؟! من أجل رفع العزلة المفروضة على أوجلان! علماً أن هذه المرأة كانت ذات منصب في كلاً من القيادة العليا للبكك ووحدات المرأة الحرّة- ستار الجناح النسوي للبكك، تلك المنظمة النسوية التي تدعو إلى تحرير المرأة العالمية!!
نعم، كانت ذات منصب بارز في الهيئتين القياديتين للبكك، ولكن رغم هذا أحرقت نفسها، بعدها قامت البكك باستثمار هذه البائسة والتي لم تجد أي سبيل للخلاص سوى في إضرام النيران بجسدها والتخلّص من هذه الحياة المحبطة، نعم استثمرتها البكك وأظهرتها على أنها رمز البطولة والمقاومة وأنها سطرت تأريخاً جديداً في النضال والمقاومة!
الكلّ يعلم أن كلّ لا تعدو كونها أكاذيب محضة، فـ (فيان سوران) إنّما أشعلت النار بنفسها نتيجة الضغوطات وحياة البؤس التي كانت تتجرّعها، لم تعرف كيف السبيل إلى الخلاص سوى بالتضحية بذاتها لتحرير نفسها، بل هناك العشرات من هذه الحالات تحدث أمام أعين الناس بشكل شبه يومي…
وسائل الدعاية والبروباكندا للبكك
بعد اندلاع الحرب والقتال بين البكك والاتحاد الوطني الكوردستاني عام 2000، قامت البكك بتقديم فيان سوران وإبرازها من أجل الدعاية والتأثير على عشيرة الجاف التي تنتمي إليها فيان، ولكونها امرأة ملتزمة بالأوامر التنظيمية للبكك قامت الأخيرة بترقية فيان من منصبها قليلاً، وتكليفها بما لا تُطيقه من المناصب والأوامر والمهام.
كانت سلسلة الانشقاقات من صفوف البكك من قبل كوادرها من إقليم كوردستان-جنوبي كوردستان، الذين التحقوا بصفوف هذه التنظيمات خلال عامي 1991-1993، قد ارتفعت وتيرتها بشكل لافت، فأبرزت البكك فيان سوران في هذه الفترة وقامت بترقيتها، ولصدقها وإخلاصها وساديتها كلّفتها هذه التنظيمات بمهام وواجبات تفوق قدراتها وطاقتها بكثير.
عاشت فيان ضغوطات جمة بعد تكليفها بهذه المهام، ولإنقاذ نفسها دون التأثّر بالضغوطات رأت أن الانتحار هو المنفذ الوحيد! فقالت إحدى رفيقاتها: “كانت تعيش تحت ضغوطات كبيرة، ورغم أنها كانت ذات وجه منفتح وجميل فقد عانت بثوراً ونتوءات وحبوباً على وجهها نتيجة هذه الضغوطات، وكان صوت صرير أسنانها يُسمع لدى خلودها للفراش والنوم!”.
الإدمان على نقد المشاعر وتوبيخ الذات…
عام 2003، وأثناء تصاعد وتيرة الخلافات الداخلية (السياسية-التنظيمية) في صفوف البكك، واستثمارها واستخدام هذه الخلافات كعصا طاعة من قبل جماعة جميل بايك ومصطفى قره سو، تمركزت فيان سوران في الهيئة المشكلّة حديثاً في البكك بأوامر خاصة من أوجلان، وكلّفت فيان سوران ذلت العشرين ربيعاً بتطهير مواطن الصراع والدمار لكوادر البكك ذوي الـ 30-40 عاماً، هذه الخلافات والصراعات الداخلية في أطر هذه التنظيمات فاقمت من مشاكل فيان سوران وعرّضتها لمشاكل أعظم، فرأت أنه وبمرور الزمن أن من بقي في أطر البكك لا يقدّمون شيئاً سوى الدمار والخراب، فمراد قره يلان من جانب يحاول اجتذابها لصفه، وفي الجانب الآخر يحاول بايك كسبها في جبهته، وعندما قامت فيان بانتقاد البكك المتبقّين آنذاك، أصبحت مستهدفة من قبل الكلّ، ويصدر أمر من جميل بايك لعلي حيدر قيتان بتصفية حسابات فيان، كون علي حيدر قيتان المختصّ بممارسة التصفيات السرية الداخلية في صفوف البكك، فتوجّهت فيان صوب العمل النسوي في أطر التنظيم، إلّا أنها لم تجد من يمدّ لها يد العون المساعدة…
من الصعوبة بمكان على امرأة عشرينية وبعيدة عن الواقع التنظيمي للبكك، أن تتأقلم بسرعة مع محيطها الحديث، هذه المرّة وجدت فيان سبيلاً آخر في أطر هذه التنظيمات، ألا وهو سبيل الحب المحرّم في منظور البكك.
شعرت فيان في هذه الأثناء بأنوثتها، نمت مشاعر الحب لديها، إلّا أنها لم تعلم أن الحبّ محظور وفق منظور هذه التنظيمات التي انخرطت في ثناياها في ريعان شبابها، لم تعلم أن البكك تحرّم وتجرّم مشاعر الحب والعشق والزواج، وتعدّها من الموبقات التي لا تُغتفر… فكان السؤال الوحيد الذي يشغل بال هذه الفتاة هو هل (أنّني حقّاً إنسانة منحطّة؟!).
فيان سوران تُصاب باضطرابات وفقدان وعي
لتحقيق مصالح الحزب، كلّفت البكك فيان سوران بمهام أكبر من حجمها، وأصعب من أن تطيقها هذه الفتاة، في الوقت الذي كانت فيه هذه الفتاة بأمس الحاجة لرعاية شخصية نتيجة تقلبات واضطرابات أسّرتها، بل كانت حتى تفتقد الأهلية لإدارة نفسها! هذه المهام والواجبات الصعبة تفاقمت من حالة فيان النفسية وجعلتها تُصاب بحالة من فقدان الوعي.
فمن جانت تشاهد حدّة الخلافات الداخلية وصراعات أقطاب البكك، ومن جانب آخر تلاحظ وتتذوّق مرارة العيش كامرأة في صفوف البكك والنظرة المنحطّة والدونية لها، ومن جانب آخر استيائها وغضبها من ضياعها وفقدانها لمشاعرها الأنثوية… هذه الضغوطات كانت كفيلة بأن تجعل من هذه المخلوقة غير قادرة على العيش بكرامة في أطر هذه التنظيمات، بل على العكس سئمت الحياة ورأتها نقمة وسوءاً، فسارت نحو الموت المحتوم دون أن تشعر، وما الرسائل التي تقال بأن فيان تركتها بعد إضرام النيران بجسدها سوى دلائل على خيبة أملها وإحباطها ويأسها من الحياة وضياع الروح والذات في أطر البكك لو قُرأت بعيني فيان ومنظورها (أعلموا إنّه إذا فقدت الكلمة معناها في مكانٍ ما، يكون هناك خداع، وانعدام للضمير وانحطاط أخلاقي. والخيانة هي النتيجة الحتميّة في مثل هذا الوضع. أعتقد أنّه ضدّ المؤامرات الداخليّة والخارجيّة فإنّ حركة المرأة بحاجةٍ إلى مقاتلاتٍ ومناضلاتٍ كاللواتي كنّ في أعوام 1996-1998. أي يجب الردّ على الأصدقاء المزيفين والرفاقيّة الضعيفة، في الحياة والعمليات…).
فقصة فيان واضحة وضوح الشمس رابعة النهار أنه لو قامت امرأة ذات 24 عاماً تحمل السلاح وكلّفت بمهام شاقة وتتبوأ مناصب ورتب أكبر منها… بإضرام النيران في جسدها، فذلك دليل على إحباطها وانهيارها ويأسها وأنها سئمت الحياة وأصبحت ضحية لا مقاتلة أسطورية كما تدّعي البكك وتزعم!
فيان سوران ضحية…
تقول فيان في رسالتها (أعتذر عن تأخيري للقيام بهذه العملية والنشاط!) فقولها هذا هو بمثابة أنها قالت (أنا نادمة حقّاً) كوني عشت كلّ هذه الفترة… وأنّني رأيت هذا الكمّ الهائل من الأخطاء والتناقضات والزيف والخداع… فكل سطر في هذه الرسالة يعبّر عن قصة فتاة بائسة محطّمة في أطر هذه التنظيمات.
فما الفرق بين قصة إضرام النار بجسد فيان، وبين من تضرم النار بجسدها بسبب مشاكل عائلية أو اجتماعية؟! لا يوجد فرق… نعم نستطيع القول بأن السبب وراء إضرام فتاة النار بجسدها بأنها جاهلة لا تعلم، أو أنها أمية إلى آخرها من السباب والمبرّرات والحجج… بسبب اليأس والإحباط.. ولكن ماذا سنقول لو كانت هذه الفتاة قيادية بارزة في صفوف البكك وتسنّمت مناصب رفيعة في أطر هذه التنظيمات؟! قيادية في صفوف وحدات المرأة الحرّة- ستار الجناح النسوي للبكك، تلك المنظمة التي تدعو إلى تحرير المرأة العالمية!! حرق الجسد ليس تعبيراً إطلاقاً، لهذا نقول ونكرّر بأن فيان سوران ضحية وليست بطلة أو مقاتلة أسطورية.
عاشت البكك صراعات داخلية حادة بين عامي 2003-2004، ولم تستطع القصص البطولية القديمة تلك إضفاء الطابع الأخلاقي على الجيل الجديد وكوادر الحزب القدامى وإشعال حماستهم، كانت البكك بأمسّ الحاجة لبطل جديد، والحقّ أنه كان من الواجب عليهم أن يسألوا أنفسهم “ماذا فعلنا حتى اختارت هذه الفتاة الموت لنفسها” بدلاً من ترديد شعارات فارغة أن فيان أنارت لنا الطريق الصحيح فلنتبعه ولنسر عليه!!
فعندما كانت فيان على قيد الحياة كانت تُستخدم كوسيلة للدعاية من قبل قادة البكك، والأمرّ من هذا أنه تمّت مصادرة موتها واستغلاله أيضاً كوسيلة للدعاية من قبل هذه التنظيمات، ومهما قالت البكك أو فعلت… فالكلّ يعلم ويعرف جيداً أن فيان سئمت الحياة، لم تقدر على إدامة الحياة، لم تكن قادرة على العيش بائسة محبطة طيلة حياتها، كما أنها كانت تعلم علم اليقين أنها لن تقدر على الانشقاق عن البكك أو مغادرة صفوفها، فرأت أن الخلاص منحصر في تذوّق مرارة الموت، فاختارت الموت على الحياة الذليلة، فأحرقت نفسها في ريعان شبابها.
فجوهر ما قامت به فيان سوران هي ما أوصلت بها البكك من طريق مسدود، فحملها كان أثقل من طاقتها، ولم تتحمّل العيش على هذا المنوال ما أودى بها إلى حرق نفسها تحت غطاء الأنشطة النضالية والمقاومة.
ورغم آلاف القصص والأكاذيب… لم يستطيعوا طمس حقيقة التضحية بـ (فيان) بل ستبقى قصّتها المأساوية وصمة عار على جبين هذه التنظيمات المذلّة للحياة الإنسانية وعلى رأسها حياة المرأة الكوردية الكريمة…