تواصل الدولة الإيرانية باعتبارها إحدى الدول المحتلة لكوردستان، جهودها الحثيثة لتدمير الجزء الوحيد المحرّر من كوردستان، ذلك الجزء الذي أصبح مظلة وملاذاً آمناً لكلّ كوردي، أي إقليم كوردستان، ولهذا استعانت إيران ببعض الأحزاب والتنظيمات الكوردية المرتزقة والمأجورة من خلال منحهم المال والمساعدات الأخرى، لتحقيق مشروعها الصفوي (الهلال الشيعي) المبني على إلغاء كيان إقليم كوردستان، وبهذا أقنعت تلك الأحزاب والتنظيمات بخيانة شعبهم ووطنهم.
ما هو مشروع الهلال الشيعي؟ وأية مناطق يضمّ؟
(الهلال الشيعي) مصطلح سياسي يوصف منطقة جغرافية في الشرق الاوسط تمتدّ من إيران إلى لبنان وتضمّ العراق وسوريا، استخدم هذا المصطلح العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين للواشنطن بوست أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر عام 2004، ودخل الأدبيات السياسية آنذاك.
وحقيقة مشروع (الهلال الشيعي) أنه يتحدّث عن بنية سياسية، وليس عن بنية ديمغرافية، فمن الناحية الديمغرافية، فالمناطق الشيعية في لبنان وسوريا ليست بقدر المناطق الشيعية في العراق وإيران، ولا يشكّل شيعة لبنان وسوريا غالبية سكان البلدين، كما لا تعتبران (سوريا ولبنان) دولتين شيعيتين، إذن فالهلال الشيعي هو نتيجة الهيمنة والقوة الشيعية وسيطرتها على مقاليد الحكم، وليس هيمنتهم الديموغرافية، تمّ إدراج مصطلح (الهلال الشيعي) في الأدبيات السياسية من قبل العاهل الأردني الملك عبد الله بعد وصول الشيعة إلى السلطة في العراق عام 2005. هذا العام، وبدعم من إيران، أصبحت الشيعة العراقيين حكام العراق لأول مرة بأغلبية الاصوات في البرلمان العراقي.
لعبت إيران دوراً كبيراً وبارزاً في إنشاء (الهلال الشيعي) فحزب الله في لبنان ولد من رحم سياسة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، الخميني، والتي عرفت باسم “تصدير الثورة” تأسّس حزب الله عام 1985 بمساعدة إيران، وتمّ تدريب قادته ومقاتليه على يد إيران، وخصّصت لهم ميزانية كبيرة، كان نظام حافظ الأسد في البداية نظامًا قوميًا عربيًا، لكن منذ الثمانينيات، وفي ظل حكم جمهورية إيران الإسلامية، قَبِلَ النظام السوري الهوية العلوية على حساب القومية العربية، باختصار، إن سيادة شيعة لبنان، وسيطرة الهوية العلوية على نظام الأسد، ووصول شيعة العراق إلى السلطة، هو نتيجة لتدخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه عموم هذه البلدان.
الهلال الشيعي وحلفاء إيران في إقليم كوردستان
عام 2012، وتزامناً مع عملية التطور والتنمية التي عصفت بالشرق الأوسط، زادت رغبة إيران في الاستقرار والتموضع والتوغّل في إقليم كردستان، لكن كانت مهمّة التواجد المباشر في إقليم كوردستان بالنسبة لإيران مهمّة بالغة الصعوبة، وعلى الرغم من أن الاتّحاد الوطني الكوردستاني دعم الوجود الإيراني هناك، إلا أن الجمهور المحتشد حوله كان محدوداً، كما علمت إيران بشكل مؤكّد أن الحشد الشعبي لن يكون محلّ قبول، علاوة على معرفتها المؤكّدة والمسبقة بأن الجيش العراقي أيضاً لا يتمتّع بالقبول والمصداقية لدى الشعب، ولكنّ بالإمكان حشد سكان وأهالي المنطقة حول تنظيم يحمل اسماً كوردياً، وتحقيقاً لاستراتيجيتها طويلة الأمد، عيّنت الدولة الإيرانية حزب العمال الكوردستاني بكك ممثلاً لها في إقليم كوردستان وخاصة في گرميان.
وكلّ من لديه أدنى إلمام بخريطة المنطقة يُدرك جيداً الرابط المشترك الذي يربط الخطّ الذي يبدأ من گرميان ويصل كركوك-الموصل-مخمور وينتهي بشنگال، كما يمكن للمرء أن يرى أن هذا الخطّ يصل لروجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، أي أن گرميان هي نقطة الانطلاق لمشروع الهلال الشيعي الإيراني داخل أراضي إقليم كوردستان.
كما يعلم الجميع بالعلاقة الدائمة بين الاتّحاد الوطني وإيران، فقد أصبح الاتّحاد الوطني خاضعاً لسيطرة إيران بشكل لا يمكنه أن يقول لا لإيران، وإن أية سياسة تريد إيران مزاولتها في إقليم كردستان وضدّ الشعب الكوردي فما عليها إلّا أن تصدر إيعازاً إلى الاتّحاد الوطني وحزب العمال الكوردستاني بكك بقبول هذه السياسة بل وتنفيذها خطوة بخطوة، وذلك مقابل تمويل إيراني لهذين الحزبين وتقديم مساعدات مادية وأسلحة لهما، كما تمنح الدولة الإيرانية كبار قادة ومسؤولي هذين الحزبين فرصة التنقّل من قواعد ومطارات إيران والعراق، سواء داخلياً أو إقليمياً أو في رحلاتهم إلى أوروبا، حيث تقوم إيران بترتيب رحلات كبار مسؤولي البكك إلى أوروبا، علاوة على تكفّلها ورعايتها حماية قادة البكك عن طريق مؤسّساتها الاستخباراتية.
الخيانة الجديدة للاتّحاد الوطني وحزب العمال الكوردستاني بكك: بناء قواعد جديدة لتحالف الهلال الشيعي
وبحسب المعلومات، فقد تمّ مؤخراً في اجتماع مشترك للأطراف الشيعية وممثّل بافل طالباني وحزب العمال الكوردستاني بكك، بقيادة إيران، في منزل قيس الخزعلي زعيم ميليشيات ما تسمّى بـ (عصائب أهل الحق) المنضوية تحت خيمة ميليشيات الحشد الشعبي، تمّ اتخاذ قرار ببناء ثلاثة قواعد جديدة في ثلاثة مناطق مختلفة من كوردستان لتنفيذ مشروع الهلال الشيعي، ومحاولة ممارسة المزيد من القولبة على الشعب الكوردي في إقليم كوردستان ومن ثمّ القضاء على كيان إقليم كوردستان وإنهائه بشكل رسمي ونهائي.
تشير المعلومات الواردة، إلى أنه سيتمّ بناء القاعدة الرئيسية في روجآفا كوردستان، وقاعدة في كركوك وأخرى في السليمانية، ومن الضروري أن يكون هناك تواجد لممثل عن جميع الأحزاب والأطراف الشيعية في كلّ قاعدة، وتوفير ميزانية قدرها 4 ملايين دولار لكلّ قاعدة، وأن هذه الميزانية والأموال الطائلة سيتمّ توفيرها وتأمينها من قبل بافل طالباني.
ومنذ سنوات، يقوم بافل طالباني بالاستيلاء على إيرادات المنافذ الحدودية لإقليم كوردستان بالإضافة إلى استيلائه على جميع الإيرادات الداخلية لمحافظة السليمانية، ولا يسمح بإرسالها إلى الخزينة العامة لحكومة إقليم كوردستان، علماً أنه لا يستخدم هذه المبالغ الضخمة لخدمة عوائل الشهداء والبيشمركة والفقراء والشعب البائس، بل على العكس، يستخدمه لصالح أعداء كوردستان، ووضع يده -وبدون أدنى خجل- في أيدي أعداء الكورد وكوردستان في محاولة منه للاحتماء بهذه في ظلّهم، وكما قيل قديماً بأن الناس معادن… فقد انكشف معدن بافل طالباني وحلفائه أثناء خيانتهم لكركوك في أحداث 16 أكتوبر الخيانية عام 2017، تلك الخيانة التاريخية التي ارتكبت بحقّ الشعب الكوردي في إطار تنفيذ مخطّط ومشروع الهلال الشيعي الإيراني، والذي تمّ إثره إهداء 51% من أراضي إقليم كوردستان إلى دولة الاحتلال العراقي، وما يجري من أحداث مأساوية بحقّ الكورد إنّما هو استمرار ومواصلة لخيانة الـ 16 من أكتوبر.
باختصار، يلعب الاتحاد الوطني الكوردستاني في لإقليم كوردستان، دور نظام الأسد في سوريا، كما يلعب حزب العمال الكوردستاني بكك دور حزب الله اللبناني في تنفيذ مشروع الهلال الشيعي.
أمريكا تبدي ردود أفعال غاضبة…
يرى مراقبون سياسيون أن الولايات المتحدة الأمريكية على اطّلاع تام بهذا التحرّك الإيراني، كما يرون أن جزءاً من التحرّكات العسكرية للولايات المتحدة داخل العراق وعلى حدود بين العراق وسوريا يدخل إطار التصدّي لمشروع الهلال الشيعي الإيراني في المنطقة، وأن الولايات المتحدة ستتصدّى لإيران لا محالة، وستقوم بحماية إقليم كوردستان؛ لأن إقليم كوردستان يحتلّ موقعاً استراتيجياً هاماً لأمريكاً علاوة على امتلاكه موارد طبيعية مهمّة، ومن ناحية أخرى، ترى الولايات المتحدة أن توسّع مشروع الهلال الشيعي يشكّل تهديداً كبيراً لمصالحها في الشرق الأوسط، ولذلك فإنها ستفعل أي شيء لتدمير هذه المخطّط الإيراني وإفشال هذا المشروع الشيعي.