أدلت قوات الدفاع الشعبي (HPG) ببيان كشفت فيه حصيلة معاركها لعام، لكن الحصيلة كانت فقط لمعاركها وحروبها على أراضي إقليم كوردستان، لأنه لا يوجد قتال في باكور كوردستان-كوردستان تركيا حتى تكون هناك حصيلة له! فقد انحصرت ساحة معاركها على أراضي إقليم كوردستان وحدها.
وقبل أيام قليلة من هذا التصريح، استشهد مواطنان من شيلادزي في غارة جوية تركية في سفح جبل شرين أثناء توجههما لجمع الأعشاب لمواشيهما، فإقليم كوردستان لم يتحوّل أمس لساحة حرب مفتوحة بين البكك والدولة التركية، بل هو ضحية هذه الحرب العبثية منذ منتصف ثمانينيات القرن المنصرم.
وبالأخص منذ عام 1992، تزامناً مع تأسيس برلمان كوردستان، انتقل القتال بين حزب العمال الكوردستاني البكك والدولة التركية المحتلّة إلى أراضي إقليم كوردستان عمداً، لغاية اليوم، تمّ إخلاء أكثر من 800 قرية في الإقليم نتيجة المعارك وصراعات البكك، وغيرها العديد من القرى يقصدها القرويون صيفاً ويخلونها في الشتاء، أو يذهبون إليها نهاراً ويعودون للمدن ليلاً، من بينها 500 قرية تمّ إخلاؤها في التسعينيات، لم يعد بإمكان أهالي إقليم كوردستان التوجّه لقراهم أو تربية مواشيهم لعقود، تحوّلت حقولها الخضراء لأراضي قاحلة، انتشرت البطالة بين الشباب، المواقع الأثرية التي كان من المفترض أن تصبح مراكز سياحية أصبحت ساحة لمعارك البكك العبثية، تجرّدت القرى والمناطق الجبلية من مظاهر الحياة.
ولطالما استخدم إقليم كوردستان كساحة حرب بين الجيش التركي والبكك… فلن يُسمع صوت الرصاص أبدًا في تركيا وباكور كوردستان.
بعد حرب البكك المسمّاة بـ “حرب الخنادق” حلّ الدمار بمدن باكور كوردستان، توقّف القتال شيئاً فشيئاً هناك، والآن لم يبق أي تواجد لمقاتلي الگريلا في جبال باكور كوردستان، أصبحت جبال باكور كوردستان-كوردستان تركيا كـ “جيلو، جارجلا، گابار، جودي، بستا، هركول وكاتو” وجهات سياحية، تُقام المهرجانات هنا وهناك، تنظّم الرحلات السياحية إليها، أصبحت مراكز الرياضات المائية والسباحة.
ولكن عندما يبتعد سكان شيلادزي وديرلوك خطوتين عن المدينة، يعيشون خوف انفجار الألغام ورعب الغارات الجوية واعتداءات البكك، فالحرب المدمّرة تدور رحاها في إقليم كوردستان.
فالبكك تتحدّث عن انتصاراتها الوهمية كل عام، أما الدولة التركية فتبني قواعدها في المنطقة كل عام، فيا تُرى ما هي الانتصارات التي تتحدّث عنها البكك؟! أصبحت جحور الفئران أقبية لها؟!
عام 2018، أطلقت الدولة التركية عملية حاسمة على خط شمزينان – خواكورك، على إثرها تمركزت في عموم مرتفعات وقمم جبال زاكروس.
عام 2019، وسّعت الدولة التركية احتلالها ليشمل منطقة برادوست ابتداءً من خاكورك، وادي خنيره ووصولاً إلى جبل شكيف.
في عام 2020 أُطلقت عملية (مخلب النمر)، لم تبد البكك أية مقاومة إطلاقاً، قامت بتسليم قمم الجبال الشامخة والاستراتيجية مثل قمة خانتور لتركيا، سقطت وديان مثل وادي بَهشتى ووادي بس آغا وبيربلا وكشاني تحت سيطرة الأتراك المحتلّين، ونتيجة حرب البكك أصبحت مواطن الآباء والأجداد أماكن مهجورة ومنسية…
خلال العملية التي أطلقت عام 2021 على خطّ متينا-قَشورا وآفاشين، استولت الدولة التركية على العديد من الأماكن مثل قلعة قمري وقمة كيسته ووادي باسيان، دون مقاومة تُذكر، تحوّلت قرى عشيرة كولي وبرواري لساحة صراع مدمّر، تخلّى أهالي المنطقة عن حقولهم ومزارعهم، أحرقت الغابات والمناحل والمراعي…
استهدفت العملية العسكرية (المخلب-القفل) والتي انطلقت في أبريل/ نيسان 2022، الجغرافية الغنية والفاتنة والوديان الوعرة والعميقة لمنطقة نيروه-ريكان، احتلّت الدولة التركية من خطّ الجبل الأسود وسَري سينيا والتي تطلق عليها البكك تسمية (شكفتا بريندارا-كهف الجرحى) ووصولاً لقمة (كوري جهرو-كورژار) تلك المنطقة التي حرّمتها البكك على أصحابها طيلة عقود وسنوات، لكنّها فرّت منها هاربة تاركة للأتراك بين عشية وضحاها!!
المنطقة الموسومة بـ (مناطق الدفاع المشروع-باراستنا مديا) تحت سيطرة الدولة التركية
مرّ عام على هذه العملية، نشرت البكك مؤخّراً حصيلة معاركها خلال هذه العملية، حسب البيان، فقد 259 مقاتلاً في رفوف البكك أرواحهم، بينما لقي 2833 جندياً تركياً حتفهم! لكن الجميع يعلم أن البكك لم تقتل هذا العدد من عساكر الأتراك، الكلّ يعلم أن إطلاق بعض القذائف من مسافات بعيدة لا تخلّف وراءها هذه الأعداد المبالغة فيها من القتلى! لكن جوهر الموضوع أنه كان ينبغي على البكك أن تخرج من بين هذه التلال بعد إهداء هذه الجغرافية للدولة التركية خلال سويعات، والاعتراف: أنّنا سلّمنا المناطق الخاضعة لسيطرتنا منذ 1984 لجيوش الأتراك خلال ساعات ودون أية مقاومة!
فالحصيلة الحقيقية للحرب ليست بأعداد القتلى، بل الإحصائية الحقيقية لها هي لمن له الغلبة والسيطرة على الأرض والجغرافيا، فالمنطقة المسماة بمناطق الدفاع المشروع والتي أعلنتها البكك منذ عام 2003 أصبحت الآن تحت سيطرة الدولة التركية.
أعلنت البكك هدنة وقف إطلاق النار عقب زلزال الـ 2 من شباط، ولكن الحقيقة أن البكك لم تكن تحارب أصلاً حتى تطلق أية هدنات!
جبل گابار، والذي كان مركز حربٍ للبكك في التسعينيات، أصبح الآن مركزاً سياحياً ووجهة لمتسلّقي الجبال، يقصد السياح بشكل يومي جبل گابار وجودي، گابار لم يعد ساحة للگريلا.
ولكن في إقليم كوردستان، لا يتمكّن المواطنون من الذهاب لقراهم لجمع الأعشاب، فقبل فترة، أصبح مواطنان من شيلادزي هدفاً للمقاتلات الحربية على سفح جبل شرين.
على سبيل المثال، كانت جبال “جارجلا-جيلو” في جولميرك، معسكرات وقواعد للبكك، واليوم تقام المهرجانات الشتوية في معسكرات البكك الغابرة، أصبحت جنة التزحلق على ألواح الثلج بينما مواطنو إقليم كوردستان لا يستطيعون التنزّه في گاره في سفرة ثلجية!
يقصد وفود السياح وادي جهنم بقرية هَسبست كل يوم، يزورون المغارات والكهوف، لكن لا يستطيع مواطن نيروَيي منذ 30 عاماً من زيارة مراقد الآباء والأجداد في سهل شيفيئ، فالبكك لم تكن تسمح لهم بالتوجّه لديارهم حتّى في أوقات السلم!
في جوهره، يمكننا قول شيئين: البكك والأتراك نقلوا الحرب إلى إقليم كوردستان عن قصد وعمداً، وأن كلا الطرفين سعيدان بهذا الوضع.
والثاني هو أن: إقليم كوردستان الذي يمتد من حفتنين إلى برادوست، ظلّ محتلاً من قبل البكك طيلة 30 عاماً مضت، لكن الآن تغيّرت أدوار الغزاة، فقامت البكك بتسليم هذه المناطق للجيش التركي.
والآن تقع المهمّة على عاتق شعب كوردستان، وينبغي على أهالي مناطق (سندي وگولي وبرواري بالا ونيروه-ريكان ونهيلي) الوقوف بوجه البكك ومطالبتها بمغادرة أراضيهم…