قبل كتابة التاريخ والتعدين وقبل استقرار البشر واختراع الأبجدية المكتوبة والعجلة، وقبل بناء أهرامات مصر وأثر ستونهنج البريطاني الصخري بأكثر من 7 آلاف سنة، قام أجداد الكورد واسلافهم ببناء معبد من الأحجار المتراصة في شمال الجزيرة الفراتية وذروة الهلال الخصيب، وبقي هذا الهيكل مطمورا في تلة (Girê Miraza) على أطراف مدينة “رها” بباكور كوردستان-كوردستان تركيا منذ حوالي 12 ألف عام أو 11 ألف عام خلت.
(Girê Miraza) هو اسم لتلّة تبعد 15 كم عن مدينة “رها” بباكور كوردستان-كوردستان تركيا، شجرة التوت الموجودة على هذه التلّة يقصدها الناس ولكن ليس لظلّها أو لثمارها الشهيّة، بل رغبة بنيل الأمنيات المعلّقة على أغصانها، وخاصة النساء العقيمات التي لم يولد لهن أطفال حيث تقصدن هذه الشجرة من أجل تحقيق أمنياتهن بولادة طفل.
عام 1994، عندما كان أحد الرعاة يرعى أغنامه على هذه التلة، رأى بعض الحجارة والصخور المميّزة والمختلفة تحت شجرة التوت هذه، بعدها تغيّر قدر تلّة (Girê Miraza) لتصبح أقدم موقع أثري تمّ اكتشافه لغاية الآن في تاريخ البشرية.
الأهرامات المصرية التي لها أقدم تاريخ يبلغ عمرها 4500 سنة، في حين يبلغ عمر ستونهنج (Stonehenge) في إنجلترا 5000 عام، بينما يعود تأريخ تلّة (Girê Miraza) إلى ما يقارب من 12000 سنة، ولا تزال بقايا تلك الحضارة المدفونة تحت الأرض تظهر وتتجلّى.
تمّ بناء أكثر من 200 عمود داخل الآثار، لتشكل 20 غرفة مختلفة، يبلغ ارتفاع كل عمود 6 أمتار ويزن العمود منها 10 أطنان، توجد على الأعمدة وعلى الجدران تماثيل لبشر ونقوش لحيوانات مثل الذئاب والغزلان والخنازير والأبقار والثعابين والطيور… كما أن هناك أيضًا العديد من الزخارف المجردة والغامضة.
يطرح الأشخاص الذين رأوا تلّة (Girê Miraza) ثلاثة أسئلة أساسية:
السؤال الأول الذي يدور في ذهن من رأى هذه التلة هو: كيف تمّ نقل هذه الأعمدة الكبيرة إلى تلّة (Girê Miraza)؟! في حين لم تكتشف الزراعة بعد، ولم يكن هناك حديد، ولم يكن الناس قد تمكّنوا من صنع أدوات أكثر تقدماً؟ فكيف تمّ نقل هذه الأعمدة التي تزن عشرات الأطنان؟! وكيف تمّت مزاولة هذا العمل العظيم والجبار؟!
والسؤال الثاني هو: لماذا بنيت هذه المواقع؟
السؤال الثالث هو: “من بنى هذا المكان وهذه الآثار؟”.
بشكل عام، يُعتقد أن تلّة (Girê Miraza) هو أقدم معبد أثري، وليس مكانًا للحياة. أي أنه قبل اختراع الزراعة، اجتمع آلاف الأشخاص معًا ونظموا مجموعات كبيرة وقاموا ببناء معبد لأنفسهم بعد عقود من العمل الشاق، الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو: لماذا قام هؤلاء الناس مؤسّسو (Girê Miraza) بدفن هياكلهم المعمارية العظيمة تحت أطنان من الركام؟ لماذا قاموا بردم معابدهم وطمرها تحت التراب ودفنها؟ وما زالت الأسئلة المحيّرة حول هذا المكان التاريخي تحتفظ بأسرارها، بل حتى ساد اعتقاد أن “رجال الفضاء” بنوا آثار (Girê Miraza) لشدّة تعقيدها وصعوبتها وتشابكها.
المعطيات حول (Girê Miraza) قد تغيّر من وجهات نظرنا حول تاريخ البشرية والمجتمعات البشرية، وتظل سرية في الغالب، فكما قال إيان هودن من جامعة ستانفورد: “إن موقع (Girê Miraza) يغيّر كلّ المعطيات” وبطبيعة الحال، أولئك الذين يريدون الحفاظ على هذا التغيير يدركون أيضًا عقدة التلاعب.
تقول بعض الدراسات الأنثروبولوجية إن عينات الحمض النووي (DNA) للجماجم في هذا الموقع الأثري وأهالي المنطقة الذين يعيشون فيها حالياً هي نفسها، بمعنى آخر، أن الناس الذين كانوا يعيشون في (Girê Miraza) والكورد الذين يعيشون حالياً هناك لديهم نفس الحمض النووي، أي أن من بنوا (Girê Miraza) لم يذهبوا إلى أي مكان آخر، فقد بناها أجداد شعوب “رها” والبلدات المحيطة بها، وبالطبع تظهر هذه الدراسات العلمية أن سكان (Girê Miraza) القدامى هم أسلاف الكورد وأجدادهم.
أثبتت اختبارات الحمض النووي أن الكورد عاشوا داخل الحدود الحالية لكوردستان قبل أكثر من 50 ألف سنة، بمعنى أن هناك علاقة وثيقة لتلة (Girê Miraza) بالتاريخ الكوردي، وأثبتت الدراسات والأبحاث الأثرية والأنثروبولوجية أن الكورد لديهم مثل هذه الثقافة والتاريخ القديم وقد صنعوا الحضارة، صحيح أن (Girê Miraza) سيغيّر فهم التاريخ من ناحية، لكنّه سيظهر أيضًا تاريخ الكورد ودورهم في خلق الحضارة وبنائها.
إن إخفاء العديد من المواقع وتعليق الأبحاث من حين لآخر، وتغطية بعض المجالات والمناطق يرتبط بالتغيرات التي ستحدثها تلّة (Girê Miraza) في التاريخ، فتاريخ (Girê Miraza) هو قمّة التأريخ.
وحول هذا الموقع الأثري العريق، قال عالم الآثار الألماني كلاوس شميت لدى قيامه بعمليات التنقيب البطيئة: “أعتقد أن هذا الموقع هو معبد في جنة عدن” وهذا ما ليس ببعيد.
فتلة (Girê Miraza) قضية بالغة الأهمية، ويجب على الكورد حمايتها والعناية بها.