خلال الأسبوع الماضي، ومقارنة بالشهر المنصرم، تمّ رصد زيادة طفيفة في الاشتباكات والمعارك بين حزب العمال الكوردستاني بكك والجيش التركي داخل حدود إقليم كوردستان، وخصوصاً في منطقة ئاميدي التابعة لمحافظة دهوك والتي أصبحت (بؤرة) الصراع والمعارك والفوضى.
ينشر طرفا الصراع (البكك والقوات المسلّحة التركية) حصيلة المعارك والاشتباكات بشكل دوري، فالجيش التركي يقول في تصريحاته بأنه “طهّر المنطقة من الإرهابيين” بينما تقول البكك: “منعنا الجيش التركي من التقدّم ولو خطوة… وأصبح عالقاً…”.
لكن الحقيقة هي أن كلا الطرفين لا يقولان الحقيقة، وليس الأمر كما يبدو في الظاهر من أن تركيا والبكك تحاربان وتقاتلان بعضهما البعض، بل الحقيقة هي أن القوتين تحاربان إقليم كوردستان جنباً إلى جنب، فتصاعدت حدّة الغارات الجوية على أطراف قرى برجي وكوهرزي، وتعرّض أهالي المنطقة لأضرار كبيرة وخسائر فادحة، ففي قرية كوهرزي فقط تمّ حرق أكثر من 100 دونم من الأراضي الزراعية، وتمّ هدم جدول ماء القرية، فيا تُرى لماذا اشتدّت حدة المعارك في الآونة الأخيرة؟ وما الذي يحدث؟ وهل صحيح مزاعم قوات الدفاع الشعبي HPG وادّعاءاتها من أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يتعاون مع الدولة التركية ويشارك عملياتها؟!
أين تقع (تەپێ جوودی-تلة جودي) تلك المنطقة المزعومة بتصاعد المعارك والاشتباكات فيها؟!
أطلقت البكك تسمية (تەپێ جوودی-تلة جودي) على منطقة (قرية سێری) وقالت قوات الدفاع الشعبي في بيانها: “منعنا الجيش التركي من التمركز في تلة جودي” بينما الحقيقة هي أن الجيش التركي احتلّ قرية سێری وسيطر عليها في أيار العام الماضي، تمّ تطهير هذه التلة من مقاتلي البكك خلال يومين فقط! تمّ تدمير كافة المغارات والأنفاق التي كانت البكك قد حفرتها وتستخدمها، وانسحب الجيش التركي من قرية سێری في تشرين الأول.
قرية سيرێ هي إحدى المناطق التي كانت تخضع كلياً لنفوذ البكك منذ عام 1995، فبعد المؤتمر الخامس للبكك كانت قيادتها المركزية والتي كانت تُدعى آنذاك بـ (جيش التحرير الشعبي الكوردستاني ARGK) قد اتّخذت منها مقراً ومركزاً لها، وكان أجهزة الاتصالات اللاسلكية على هذه التلة، لهذا سمّيت التلة بتلة “جودي” بعدها انتقلت القيادة المركزية لضفاف نهر الزاب (معسكر الزاب) وهناك بدأت قصة معسكر الزاب.
فالمنطقة الذي تزعم البكك أنها لم تسمح للعدو بالتوغّل فيها هي المنطقة نفسها التي شهدت انهيار أساطير نظام أنفاق الحرب للبكك، التلة التي كانت المركز الرئيسي للبكك وقوات الدفاع الشعبي (PKK-YPG) لم تستطع البكك الدفاع عنها لمدة 28 ساعة! تمّ تدمير أنفاق البكك ومغاراتها ومواقعها السرية والقضاء عليها بشكل تام، وانسحبت البكك من المنطقة كلياً.
أمّا جغرافياً، فتلة جودي ليست موقعاً استراتيجياً بالمقارنة مع التلال والقمم المحيطة بها، كما لا تتمتع بأية أهمية عسكرية، رغم هذا كانت للتلة دلالة معنوية للبكك نظراً لكونها أولى مراكز قيادتها المركزية، فالموقع الاستراتيجي للغاية في المنطقة هي قمة جبل متينا، وهي تخضع حالياً لسيطرة العساكر الأتراك المحتلين!
لماذا ازدادت الاشتباكات؟ وهل صحيح أن البكك أعاقت تقدّم الجيش التركي؟!
لغاية اليوم، لم يشرع الجيش التركي بأية عملية جديدة، لكنّه ومنذ أيام، بدأ بالعودة للتلال التي انسحب منها في خريف العام الماضي، كقرية سێری (تلة جودي) سري لينكي… وتعدّ هذه التحركات التركية كعملية منطقية جديدة نظراً لوقوع كافة القمم في منطقة نيروه-ريكان تحت سيطرة الأتراك المحتلين.
تمّ احتلال عموم المنطقة ابتداءً من نقطة الصفر في بلدة جلي ووصولاً إلى المناطق الجبلية المطلة على ئاميديي وشيلادزي، تمركز الأتراك في الخطّ الواقع شرقي نهر الزاب (سري سينيا-شكفتا بريندارا-، كئرييئ، هوره، جمجور، وَرَخَل، خالكان، سيدا وصولاً لقمة كورژار-كوري جهرو، وتمت السيطرة كذلك على خطّ غربي الزاب وصولاً لمشارف ئاميديي، يتمّ بناء الطرق والجسور في المنطقة من قبل الدولة التركية، يتمّ السيطرة على التلال غير الاستراتيجية والتي لا تتمتّع بأية أهمية عسكرية من قبل الجيش التركي في عمليات شبه يومية، وبحسب معلوماتنا لم يتمّ احتلال أية مناطق جديدة، ورغم هذا فالجانبان يتعرّضان لخسائر، لكنها لا ترقى لمستوى تجبر الأتراك على الانسحاب من المنطقة أو تمنعها من التقدّم فيها، فهذه حرب نفسية في حقيقتها لا غير، وإلّا فلا تشهد المنطقة أية معارك ضارية على أرض الواقع.
فالأخبار المتواصلة لوسائل إعلام البكك والتي تزعم أنها أعاقت تقدّم الجيش التركي، بعيدة عن الحقيقة وعارية منها، ولم توثّق أية مصادر محلية من المنطقة لغاية اليوم ادّعاءات البكك ومزاعمها هذه، ومن الواضح أن الهدف من وراء صناعتها هو إشعال روح الحماس لدى جماهيرها، فبالتزامن مع ذكرى مئوية معاهدة لوزان التي أبادت الكورد وقضت على أحلامهم… تحاول البكك تحسين صورتها في هذا الوقت الحساس وراء شعارات كـ (الگريلا تقاوم…)!
أنباء إعلام البكك (البيشمركة يشارك في العملية العسكرية!)
أدلت قوات الدفاع الشعبي ببيان قالت فيه: “قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني تشارك في العملية العسكرية في خواكورك ومتينا” فمنذ سنوات وكلّما واجهت البكك مشاكل وتحديات… قامت باستهداف الديمقراطي الكوردستاني واتّهمته بالوقوف وراء انتكاساتها وهزائمها المتكرّرة!
وكانت تصريحات أحد أعضاء المركز الإعلامي لقوات الدفاع الشعبي المدعو (كورتاي سرحد) على قناة البكك (مديا نيوز) ملفتة للانتباه للغاية، قال كورتاي: “على الديمقراطي الكوردستاني أن يوضّح موقفه للشعب الكوردي!” وأضاف بأنهم وثّقوا مشاركة الديمقراطي الكوردستاني في العملية العسكرية، غير أنه لا البكك ولا قواتها قوات الدفاع الشعبي ولا كوادرهم الإعلاميين لم يوضّحوا يوماً في أية منطقة شارك بيشمركة كوردستان في هذه العملية المزعومة! يطلقون اتهامات كاذبة ومضلّلة وقذرة عارية عن الصحة دون توثيقها ولو لمرة واحدة بأية أدلة ملموسة، وذلك لأنها أكاذيب وافتراءات، فبيشمركة كوردستان لم يشاركوا إطلاقاً في أية عملية عسكرية تركية ولن يشاركوا قطعاً.
قوات البيشمركة هي القوات النظامية الرسمية لإقليم كوردستان، لا حاجة له للقيام بمهام أو ممارسات سرية، بل ليس بإمكانه القيام بأية أعمال سرية في إقليم كوردستان حيث العلاقات الاجتماعية، فلو شارك عنصر واحد من بيشمركة كوردستان في عملية أو كُلّف بمهمة سرية فعموم العشيرة والأقارب سيكونون على اطّلاع به، وعلى الرغم من الأكاذيب والمزاعم التي تردّدها البكك طيلة سنوات حول مشاركة البيشمركة في العمليات العسكرية التركية إلا أنها لم تقدر لغاية اليوم من توثيق هذه المزاعم للرأي العام الكوردي ولو بدليل!
يتّضح ممّا مرّ ان البكك ستصعّد من هجماتها على بيشمركة كوردستان قريباً، وتشير الاحتمالات إلى أن هجماتها هذه المرة ستكون أكثر حدّة وعنفاً.
هل سيطلق الجيش التركي عملية عسكرية جديدة؟
غالباً ما تبدأ العمليات العسكرية التركية الهادفة لاحتلال مناطق جديدة، بداية فصل الربيع، لكنّ لم تطلق أية عملية هذا العام، أمّا من الناحية التكتيكية والجغرافية ونظراً لموقف الغلبة للجيش التركي فباستطاعته إطلاق عملية جديدة.
تنتشر البكك حالياً في الجبل المطلّ على قرية برجي فقط، وصمدت فقط كوهرزي، وهي ما زالت متمركزة في تلك القمة منذ منتصف التسعينيات، تطلق البكك تسمية (تلة بهار) على تلك القمة، وهي آخر المعاقل التي بقيت تحت سيطرة البكك من ذيل سلسلة الزاب، اي أن البكك خسرت عموم المنطقة سوى هذه القمة، ولو سيطرت الدولة التركية على تلك المنطقة فلن تبق هناك أية مناطق تحت سيطرة البكك، وستنتهي أسطورة الزاب ويتمّ محاصرتها كاملة.
في الجانب الآخر، تتمركز البكك فقط في جبل گاره ومحيطها من عموم منطقة بهدينان، ولو أرادت البكك فعلاً ألّا تتوغّل الدولة التركية في تلك المنطقة لكان بإمكانها تسليم عموم تلك القمم لبيشمركة كوردستان
لكن بخلاف ذلك، تهدّد البكك بأن توجّه البيشمركة صوب تلك الجبال هو بمثابة إعلان للحرب، بينما من الطبيعي أن تسلّم عموم المنطقة لجيش الاحتلال التركي!
عموماً، الحرب بين القوات المسلّحة التركية والبكك هي حرب منسّقة مخطّطة، جرّت البكك الجيش التركي إلى المنطقة دون قتال، وتسبّبت باحتلال إقليم كوردستان.
فمنذ عام 2019، وهبت البكك عموم المناطق الجبلية لإقليم كوردستان منطقة تلو الأخرى للجيش التركي، في المقابل لا تسمح لقوات بيشمركة كوردستان بالتمركز في مناطقهم، تهاجم بيشمركة كوردستان بينما تغضّ الطرف عن تقدّم الأتراك! ولكنّ لحسن الحظ بات عموم الشعب الكوردستاني يدركون هذه الحقائق ويفهمون هذه اللعبة القذرة والمؤامرة الدنيئة التي أحاكتها الدولة التركية والبكك معاً.