شيخو عفريني
نأسف على ملايين الشهداء الذين قضوا نحبهم بالقصف الهمجي الممنهج للنظام السوري على كافة البقع الجغرافية السورية، نتحسّر على مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين والمختفين قسراً في سجون النظام وسلطات الأمر الواقع المتوزعة في سوريا، يعتصر قلبنا ألماً على الأمهات الثكالى والأيامى ممن فقدن فلذات أكبادهن وأعزاءهن، ويتمنون الموت في مخيمات الذلّ والعار وهن يفتقرن لأبسط مقومات الحياة البسيطة، بينما تجار الحروب يعيشون على آلامهم ومآساتهم وينهبون من مخصّصاتهم لينعموا في القصور والفيلات ويعيشوا حياة ترفٍ وبذخ.
نبكي دماً على البيوت والمباني والمنشآت الحيوية والمرافق العامة والخدمية التي تدمّرت بسبب الحرب، وما يحزّ في القلب أكثر، علاوة على هذه المآسي والآلام والتراجيدية السورية، ترى مدّعي الثورة يعيثون فساداً ويرتكبون أفظع أنواع الانتهاكات بحقّ البشر والحجر دون رادع أخلاقي وديني ولا حتى إنساني.
انتهاكاتٌ بحقّ البشر والحجر
في عفرين الكوردية وريفها مثلاً، ثمة فصائل من عمشاتٍ وحمزاتٍ وشرقية والسلطان مراد، والعشرات من الفصائل الأخرى، تدّعي تمثيلها للثورة السورية وترتكب أبشع الانتهاكات والتجاوزات بحقّ الكورد الأصليين فيها، حتى النازحون السوريون الآتون من المناطق السورية الأخرى لم يسلموا من شرّهم.
لم تقتصر الانتهاكات على البشر، من اعتقالات تعسفية واختطاف واعتداءات وإهانات واستيلاء على ممتلكات الكورد من بيوت وأراضٍ ومزارع وحقول ودكاكين تجارية، وفرض للإتاوات والمبالغ الباهظة، بل تستهدف الحجر والطبيعة، فتراهم يتعاملون مع أشجار الزيتون والسرو والصنوبر، كأنهم يصبّون جام غضبهم ونار حقدهم عليها ويقطعونها إما جزئياً أو كلياً بهدف التحطيب والاتجار بها، تلك الشجرة المباركة المعمّرة التي عانى مزارعها الويلات حتى كبرت وأثمرت وأنتجت ووصلت لتلك المرحلة.
تركوا الجبهات القتالية والمعارك وباتوا يتفنّنون في الوحشية والإبادة، وفرض الإتاوات بحقّ المدنيين الأبرياء. كيف لا؟! خلال شهرين فقط من موسم الزيتون، يحصل قائد أدار ظهره للجبهات وأتى ليستقوي على المدنيين العزل، تراه يقبض ملايين الدولارات من المزراعين الكورد الذين لا حول لهم ولا قوة، عدا الضرائب من المواسم الأخرى والواردات من الاعتقالات وفدية الإفراج عن المختطفين والعديد من المصادر غير الشرعية كالاتّجار بالبشر والتهريب والمخدرات والتي تدر عليهم ملايين الدولارات.
دويلات مهزوزة
المدنيون الكورد في عفرين سئموا كل شئ، باتوا يتمنّون الموت ليل نهار، سئموا المظاهر المسلّحة المنتشرة في كل حدب وصوب، سئموا الحواجز العسكرية المنتشرة في كلّ قرية وناحية وبلدة، سئموا من الدويلات المهزوزة الموزعة، فكل فصيل مسيطر على بضع قرى وبلدات، فمدينة جنديرس تخضع لسيطرة عدة فصائل، وميدانكي وماباتا وغيرها وكلّ فصيل أعلن مناطق نفوذه دولة مستقلة ولا يحقّ للفصيل الآخر التدخل في الشؤون الداخلية له سجنه الخاص وله أمنيته وله مسلّحوه، فالانتقال من دولة أوروبية لأخرى أسهل بكثير من الانتقال من ناحية راجو إلى ماباتا أو من ناحية بلبله إلى شيراوا أو من مدينة جنديرس إلى شرا وهكذا.
المجلس وما يترتب عليه؟
نكرّر أن الأمر يقع على عاتق المجلس الوطني الكوردي في سوريا، وضرورة العمل بجدّ مع الائتلاف وتركيا لمحاسبة كافة المتورطين ومرتكبي الانتهاكات وإنهاء المظاهر المسلّحة وتسليم إدارة عفرين الكوردستانية إلى أهلها الكورد ووضع حدّ جذري للتغيير الديمغرافي عن طريق تكثيف الجهود الرامية إلى ذلك واستقبال العائدين من المهجرين والنازحين واللاجئين الكورد وإعادة ممتلكاتهم وأراضيهم وأرزاقهم وردّ حقوقهم في طرد وإخراج المستولين.
كما يترتّب على المجلس الذي نراه ممثلاً شرعياً وحيدا للكورد في سوريا، الإسراع في تنفيذ وعوده في إعادة افتتاح مكاتبه في مناطق عفرين ونواحيها وسري كانيه وكري سبي والوقوف إلى جانب آلام وآمال الشعب الكوردي هناك والحفاظ على الهوية الكوردستانية لتلك المناطق ووضعها نصب أعينها وإيلاء الاهتمام والأولوية لتلك المناطق.
أخيرا وليس آخراً يتطلّب من الائتلاف تنفيذ وبشكل سريع بنود ما جاء في الاجتماع الأخير (الدورة الـ 69، الخميس 23 تشرين الثاني 2023) وتطبيق الإجراءات التي تصبّ في إطار تحقيق العدالة من خلال خطوات مساءلة ومحاسبة المجرمين والمرتزقة وتجّار الحروب وإنهاء حالة الفوضى الخلاقة في المدن والبلدات والقرى وإعادة المسلحين إلى الجبهات القتالية.