شيخو عفريني
تحت حججٍ وذرائعَ واهية وبعيدةٍ عن العقل والمنطق، أمطر “الحرس الثوري الإيراني” مدينةَ أربيل عاصمة إقليم كوردستان، بوابلٍ من الصواريخ الباليستية والمسيّرات، وأردت خمسةً من المدنيين، بينهم أطفالٌ ونساء، شهداء ومصابين.
بحجة استهداف “الموساد” أقدمت إيران على الفعل الشنيع والمقزّز، بقصفها للمدينة الآهلة بالسكان، وبالتحديد استهداف منازل المدنيين العزل الأبرياء.
هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها أربيل، لكنّ المختلف في الاستهداف الأخير أنه يحمل في طياته الكثير من الرسائل المبطّنة والخبيثة، لا سيّما بعد تبنّي الحرس الثوري للقصف جهاراً نهاراً، وادعائه أنه انتقامٌ لقتلى مدينة كرمان، والتبنّي بشكل رسمي في لغة السياسة، هو بمثابة إعلان الحرب.
داعش تتبنى أحداث كرمان
أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن تفجيرين، هزَّا مقبرة قاسم سليماني، في مدينة كرمان جنوبي إيران، عبر قنواته على تلغرام، وأنه نفّذهما انتحاريان يرتديان حزامين ناسفين.
من دون أدنى شك، فإن الأعمال الإرهابية مدانة بكلّ المقاييس والمعايير، إذ لاقى تفجيرا كرمان إداناتٍ واستنكاراتٍ واسعة، وبالأخص من قيادات إقليم كوردستان، التي استنكرت وعبّرت عن تضامنها مع ذوي القتلى والجرحى في كرمان.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، ما علاقة إقليم كوردستان بداعش؟ وكيف صنعت إيران هذه الديباجة المشروخة من نسج خيالها، وادّعت أن القصف انتقامٌ لقتلى كرمان، طالما أن داعش تبنّى التفجيرين بشكل رسمي؟
ألم تدحر قواتُ البيشمركة إرهابَ داعش وحاربت نيابةً عن العالم، التنظيم الإرهابي عام 2014، وقدمت الآلاف من البيشمركة شهداء، والآلاف من الإصابات التي غدا بعضها إعاقة دائمة؟ وإذا ما عدنا إلى التاريخ الكوردي، وبالأخص ثورات البارزانيين بقيادة الشيخ عبد السلام والشيخ أحمد والملا مصطفى البارزاني والرئيس مسعود بارزاني، نجد أنها ثوراتٌ نضالية خالية من الإرهاب والتطرّف، وقائمة على مبدأ الدفاع عن الشعب المظلوم وردع المآسي عنه، ولم تُقْدم على فعل أيّ عمل إرهابي طيلة سنوات نضالها. وسطّرت أروع الملاحم البطولية ولقنت الأعداء دروساً في الإنسانية والأخلاق والمبادئ والقيم الإيجابية وأبقت على صفحتها بيضاء كبياض الثلج.
طريق القدس لن يمرّ من كوردستان
منذ حرب تنظيم “حماس” وإسرائيل في غزة، تتعرّض أربيل بين الفينة والأخرى من قبل مجموعة إيرانية خارجة عن القانون تدعي “المقاومة الإسلامية” للقصف بالمسيّرات، وتدعي أنها تنقم لغزة! تُرى هل من المفترض على إيران والمجموعات المارقة، الانتقام لغزة في الأراضي الإسرائيلية، أم في إقليم كوردستان الآمن والمستقر، وجعله ساحة لتصفية الحسابات؟ لربّما لا تدرك إيران وميليشياتها أن طريق إسرائيل لم ولن يمرّ من إقليم كوردستان.
إن إقليم كوردستان، المنبر والنبراس المضيء للشعب الكوردي في الأجزاء الكوردستانية الأخرى، كونه يتمتّع بفدرالية وذات سيادة دستورياً، تحميه قواتُ البيشمركة الأبرار، وهو موضعُ فخرٍ واعتزازٍ لنا جميعاً، والملاذُ الآمن للملايين من اللاجئين السوريين كورداً وعرباً، والنازحين العراقيين، منهم (النازحون) الفارون من بطش تلك المجموعات والميليشيات نفسها، التي تعمل على زعزعة الاستقرار. فمن الواجب الإنساني والأخلاقي والقومي والوطني، إدانة هذه الأعمال الإرهابية والوقوف بجانب إقليم كوردستان قيادة وشعباً.
إن استهداف الإقليم عملٌ جبان يتسبّب في زعزعة أمنه واستقراره، وخلق المزيد من التصعيد والتوترات، لذا يترتّب على قوات التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا، عدم الاكتفاء بالتصريحات الخجولة، -سارعت بدورها إلى طمأنة رعاياها أن قواتها لم تُصب بأي أذى!- بل يتوجّب عليها العمل بشكل جدّي في الرّد سريعاً، ووضع حدٍّ لتلك الانتهاكات والتجاوزات والممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية.
كوردستان قادمة لا محال
أخيراً، من حقّ الشعب الكوردي أن ينعم في العيش ضمن كوردستان كبرى مستقلة، فهو شعبٌ يعيش على أرضه، له تاريخه وحضارته ولغته وثقافته، لم ولن يغتصب أراضي دولة أخرى، بل كوردستان هي المُغتصبَة من قبل أربع دول، وجُزئت ومُزقت وقطعت أوصالها. إن الشعب الكوردي باقٍ على أرضه، ثار ضدّ الديكتاتوريات والسلطات القمعية، وقدّم مئاتِ الآلاف من الشهداء؛ في سبيل نيل حريته وانتزاع حقوقه، لن تستطيع أبداً مثل تلك الانتهاكات والاستهدافات، النيلَ من الشعب الكوردي، فهو ماضٍ إلى تحقيق مطلبه، في ظلّ القيادة الرشيدة للمرجعية الكوردية، مهندس استفتاء استقلال كوردستان الرئيس مسعود بارزاني، حتى إعلان دولة كوردستان، شاء من شاء وأبى من أبى، وستبقى أربيل شوكة في عيون الأعداء والحاقدين. فالمبدأ واضح للقاصي والداني، كما قاله الرئيس بارزاني في رسالته لإيران “يمكنكم قتلنا لكن تأكدوا أنكم لا تستطيعون سلب إرادتنا”.
نترحّم على الشهداء ونشاطر ذويهم الأحزان، ونتضرّع إلى الله أن يكتب الشفاء العاجل للمصابين، ويديمَ الأمن والاستقرار على كوردستاننا الحبيبة.