الفيدرالية في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية… شرّ مستطير: الحلّ المفقود أم الخطر؟

الفيدرالية في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية... شرّ مستطير: الحلّ المفقود أم الخطر؟

بقلم… ماهر حسن

لا يوجد مصطلح أكثر إثارة للجدل من “الفيدرالية”. تلك الكلمة التي تثير ذعر البعض وتفتح أبواب المخاوف على مصراعيها، لكن لماذا كلّ هذا الرعب؟ هل “الفيدرالية” حقًا تهدّد وحدة سوريا، أم أنها الحلّ الذي يعجز البعض عن رؤيته بسبب الخوف من المجهول؟

دعونا نُجزّئ الأمور: إذا كانت الفيدرالية مرادفًا للتقسيم، فلماذا لا نراها تُستخدم في دول أخرى كانت تعيش في صراعات وتوترات مشابهة؟ ولم تتحول هذه الدول إلى ميدان حرب بين أجزائها. على العكس، كانت الفيدرالية هي العامل الذي حافظ على توازنها وأدّى إلى تطويرها. إذن، لماذا يخاف البعض من أن الفيدرالية في سوريا ستؤدي إلى نهاية؟ عند الحديث عن الفيدرالية: يبدو وكأنك قد قذفت بفكرة خارجة عن المألوف. البعض يرى في الفيدرالية تهديدًا مباشرًا للوحدة التي يعتقد أنها الأساس الوحيد لاستقرار البلاد. في ذهنه، هي مجرّد خطوة نحو التقسيم والتمزق، وعندما يذكر “سايكس-بيكو”، يصبح كلّ شيء واضحًا بالنسبة له: الفيدرالية هي أصل كلّ شر محتمل. هو يرى في توزيع السلطة بين المناطق خطوة نحو الفوضى، وتخليًا عن التماسك الذي يجب أن يظلّ قائمًا.

المشكلة في بعض العقول السياسية هي أنها ترى في كلّ مطالبة بحقوق المنطقة أو الأطراف “خيانة” أو “محاولة لتفكيك الدولة”. وكأنّ الحديث عن الحقوق هو دعوة للانفصال، وكأنّ المطالبة بالعدالة هي أمر يهدّد استقرار الوطن. في الواقع، إن الاحتكار الكامل للسلطة في يد المركز هو الذي أضعف الدولة السورية وأدّى إلى حالة من الإهمال والتهميش في مختلف المناطق. المركزية التي يفترض أنها تضمن وحدة البلاد، هي نفسها التي غرقت في الأزمات، ولم تكن قادرة على تقديم حلول لمشاكل المناطق المختلفة.

أليس من الأجدر أن يشعر كلّ فرد في سورية بأنه شريك حقيقي في صياغة مستقبله؟ وأن يكون له دور فاعل في بناء وطنه؟ بدلاً من أن يُعامل كأنّه مواطن من الدرجة الثانية، محصور في دائرة الإقصاء؟ كيف يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويتقدم إذا كانت بعض شرائحه مُستبعدة عن المشاركة في صناعة قراراته الوطنية؟ إنَّ المساواة والعدالة في الحقوق ليست رفاهية، بل هي الأساس الذي يقوم عليه بناء أي دولة حرّة ومستقرة. وبدلاً من أن يشعر المواطنون بأنّهم يعيشون في دولة لا تعترف بتنوعهم الثقافي والجغرافي، يجب أن يشعروا بأنهم جميعًا شركاء في هذا الوطن، يساهمون في تطوره وتنميته بطرق متساوية.

أليس النظام الفيدرالي هو النموذج الذي يضمن لكلّ جزء من سورية أن يعيش بسلام وحرية، ويحقّق تطلعاته؟ إنَّ الفيدرالية ليست تهديدًا للوحدة الوطنية، بل هي أداة لتعزيزها، من خلال منح كلّ منطقة المساحة الكافية لإدارة شؤونها بطريقة تتناسب مع خصوصياتها الثقافية والاجتماعية، دون المساس بالوحدة الوطنية التي ترتكز على التفاهم المتبادل والتعايش المشترك. إنَّ النظام الفيدرالي يخلق توازنًا دقيقًا بين المركز والأطراف، ممّا يسمح بتوزيع عادل للثروات والفرص، ويقوّي أواصر التلاحم بين مكوّنات المجتمع السوري المتنوعة، في إطار من الاحترام المتبادل والتعاون المستمر. هذا النموذج من الحكم يعزّز التنوّع باعتباره مصدر قوة، ويجعل سورية أكثر قدرة على مواجهة التحديات وبناء مستقبل مشترك يعكس تطلّعات جميع أبنائها.

إذا كانت سوريا لم تستطع أن تتوحّد تحت “المركزية المطلقة” فهل سنظلّ نتمسك بفكرة بائدة لم تعد قادرة على حلّ مشاكلنا؟ الفيدرالية ليست البديل عن الوحدة الوطنية، بل هي وسيلة لحمايتها.

إن الأعداء الحقيقيين لسورية هم أولئك الذين يعتقدون أن الحكم المركزي هو الحلّ الوحيد، والذين يرون أن أي فكرة جديدة هي تهديد للوحدة. في النهاية، الفيدرالية ليست مؤامرة، بل هي طريقة عقلانية لتوزيع السلطة بما يضمن حقوق الجميع. إنها ببساطة فكرة تدعو إلى العدالة والتوازن، وهي لا تضعف سوريا، بل تقويها.

إذا كانت الفيدرالية تخيفكم، فربّما يجب أن تخافوا أكثر من استمرار الوضع الحالي، الذي عانى منه الجميع لسنوات. ربّما حان الوقت لتغيير التفكير والنظر إلى المستقبل بعينين مفتوحتين، لا بعين واحدة خائفة من التغيير.

مقالات ذات صلة