بقلم… ماهر حسن
سوريا اليوم، وهي تخطو على حافة سنوات طويلة من الصراع والانقسام، لا تحتاج إلى مجرّد إعادة إعمار للبنية التحتية والاقتصاد، بل إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي والسياسي الذي يربط بين مكوناتها المتنوعة.
لا يمكن إنكار أن التحديات التي تواجهها البلاد معقدة ومتشابكة، لكنّها في ذات الوقت تفرض علينا فرصة تاريخية للنقاش الجريء والصريح حول المستقبل. وفي قلب هذا النقاش تقف الفيدرالية، ليس كخيار وحيد، ولكن كإطار يجب أن يُطرح للنقاش بعيداً عن التشنّجات والخوف من المجهول.
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس فقط الحديث عن الحلول السياسية التقليدية، بل الانطلاق إلى فضاءات جديدة من التفكير. الفيدرالية قد تكون تلك المساحة التي تتيح للسوريين تجاوز الصراع بين المركزية المفرطة واللامركزية المطلقة. لكن لكي يحدث ذلك، يجب أن نتحلّى بالشجاعة لتجاوز الخوف الذي كبّل عقولنا لعقود طويلة. هذا الخوف، الذي يغذيه خطاب التخوين والترهيب، هو ما يمنعنا من رؤية الفرص الحقيقية التي قد تحملها الفيدرالية.
بدلاً من اعتبارها تهديداً، يمكن أن تُنظر إلى الفيدرالية كوسيلة لضمان حقوق الجميع، ولحماية التنوّع الثقافي والعرقي الذي كان دائماً جزءاً من النسيج السوري.
ليس المطلوب أن تُفرض هذه الفكرة من الخارج أو أن تُقرّرها جهّة واحدة، بل أن تكون نتاج حوار سوري داخلي شامل. يجب أن تسود الشفافية والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، وأن يُبنى أي نظام جديد على أساس الثقة، وليس الخوف.
السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه اليوم هو: هل نحن مستعدون للتخلّي عن الخوف الذي يغذّي الجمود؟ هل نحن قادرون على النظر إلى الفيدرالية كفرصة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس أكثر عدالة وشمولية؟ أم أنّنا سنظلّ أسرى للأفكار التقليدية التي أوصلتنا إلى هذا الحال؟
سوريا لن تعود كما كانت قبل الحرب، وهذه الحقيقة يجب أن تكون حاضرة في كلّ نقاش حول المستقبل. الفيدرالية، إذا طُرحت بشكل مسؤول ومدروس، قد تكون المفتاح لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة. فهل نحن مستعدّون لتحدي أنفسنا وإعادة التفكير في كلّ ما كنّا نعتبره “ثابتاً”؟ الجواب يكمن في قدرتنا على التحلّي بالشجاعة الفكرية والنظر إلى المستقبل بعيون مفتوحة وعقول متحرّرة.