بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، دخل قادة حزب العمال الكوردستاني بكك في صمت عميق ومطبق، الأسماء البارزة والمعروفة في العمال الكوردستاني، والتي كانت تتّحدّث بشكل شبه أسبوعي تقريبًا لجذب الجماهير وإشعال حماسه، قد أفسحت المجال هذه المرة للقادة والمسؤولين من المستوى الأدنى ليحلّوا محلهم، هذا الصمت في الأساس علامة على مدى الصدمة التي يعيشها حزب العمال الكوردستاني بعد انهيار الجبهة الشيعية ونظام الأسد، وعلامة على اتّخاذ قراره مع حلفائه وشركائه.
في 24 ديسمبر/ كانون الأول، ظهر دوران كالكان على شاشة حزبه بكك في أوروبا “مديا خبر” وكسر حاجز الصمت لدى قيادة الحزب، وعلى الأغلب فإن جميل بايك أيضاً سيدلي بتصريحات أكثر وضوحاً في الأيام المقبلة. لكن تصريحات دوران كالكان حدّدت بشكل عام سياسة حزب العمال الكوردستاني في وقت كانت فيه “جبهة المقاومة” الإيرانية التي تحالف معها منذ عام 2012 تواصل مسلسل انهياراتها وفي طريقها إلى الهاوية.
واليوم، نشرت وكالة أنباء رووداو تصريحات كالكان تحت عنوان ” “PKK” مستعد لمغادرة روجآفا إذا قرّرت الإدارة الذاتية ذلك” ولكن ينبغي القول بكلّ صراحة وشفافية إن الحقيقة بعيدة كلّ البعد عن العنوان الذي كتبته رووداو. أولئك الذين قرأوا بيان كالكان على أن ” العمال الكوردستاني بكك سيغادر روجآفا أو أن الإدارة الذاتية ستقرّر ذلك” يعني أنهم لم يفهموا أبدًا حزب العمال الكوردستاني بكك ولم يعرفوه أبداً كما لا يعلمون شيئاً عن سياساته ومهامه، لا نريد أن نقول بأنه فهم غبي، لكن من فهم خطاب كالكان بهذا الشكل فهو ارباب فهم سقيم وغبي، فـ كالكان قالها علناً: “لن نغادر روجآفا”.
كالكان: لا علاقة لحزب العمال الكوردستاني بكك بروجآفا
جميع القوى الفاعلة والضامنة تريد أن يغادر حزب العمال الكوردستاني روجآفا كوردستان، ولكي يتمكّن روجآفا من تقرير مصيره، فمغادرة العمال الكوردستاني بكك لروجآفا ضرورية جدّاً، وفي مثل هذه القضية المهمة، أدلى كالكان بهذا التصريح حول وجود حزب العمال الكوردستاني بكك في روجآفا كوردستان بكلّ بساطة وكأنه يتحدّث عمّا تغدّاه، فقال: “يقولون هذا من أجل الضغط على الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، أعني أن الرفيق جمال أعلن أيضًا أنه ليس بيننا علاقة مباشرة، لكن هذا ليس وضعًا قد يمثل فيه تلك المشكلة، وهذا يعني أن هناك بعض الأشخاص الذين يقومون ببعض الأعمال كمستشارين، إذا كان هناك كورد ليسوا من سوريا وهؤلاء الأشخاص مرتبطون بحزب العمال الكوردستاني، وإذا قرّرت إدارة شمال وشرق سوريا مغادرة مناطقهم، فسوف يغادرون”.
فمن قرؤا تصريح كالكان وفهموا منه أن “حزب العمال الكوردستاني سيغادر روجآفا” فهم مخطئون، فعليهم أن يروا أولاً ما صرّح به كالكان أنه “لا وجود لحزب العمال الكوردستاني في روجآفا ولا علاقة لنا به” فإذا لم يكن هناك وجود للعمال الكوردستاني في روجآفا فكيف سيغادر منه؟! بمعنى آخر، لن يغادر التنظيم روجآفا كوردستان على الإطلاق، نعم، قد يحاولون التقليل من حضورهم وظهورهم لوقت، فقد قالوا نفس الشيء بالنسبة لـ شنگال-سنجار، وقالوا سنغادر المدينة، ولكن ماذا فعلوا بعد ذلك؟ عرضوا بعض الإيزيديين وتركوا كوادرهم في شنگال-سنجار بشكل يومي، ولا تزال شنگال منطقة تابعة لحزب العمال الكوردستاني مليئة بكوادره، وقالوا إننا غادرنا مخمور، لكنّهم دخلوا فقط إلى الأنفاق وغيّروا ملابسهم بملابس مدنية!
العمال الكوردستاني يضحّي بروجآفا كوردستان من أجل هزيمته وانهياره
قال كالكان: “لا توجد مشكلة خاصة بالنسبة لحزب العمال الكوردستاني، فسوف يأخذون أسلحتهم وينتقلون إلى شمال كوردستان، لقد أخذوا بالفعل أسلحتهم من شمال كوردستان لمحاربة داعش في غرب كوردستان وذهبوا إلى هناك” وقال بأن “أردوغان يعرف هذا جيداً”؟ لقد قلنا مراراً وتكراراً إنه في عام 2014، أثناء مقاومة كوباني، أن هناك تنسيقاً محكماً بين الدولة التركية وحزب العمال الكوردستاني في إرسال گريلا بكك (مقاتلي التنظيم) عن طريق حافلات المخابرات التركية من ئامد وميردين إلى كوباني، وإفراغ باكور كوردستان-كوردستان تركيا وتركه للدولة التركية. نعم، أردوغان يعرف ذلك جيداً. أنهى حزب العمال الكوردستاني أنشطته القتالية في باكور كوردستان، ونقل مقاتليه الگريلا إلى روجآفا كوردستان بمساعدة الدولة التركية والتنسيق معها، ولكن فليعلم كالكان جيداً أنه لم تبق هناك اليوم جبال في باكور كوردستان ليتوجّه إليها مقاتلو حزبه العمال الكوردستاني. فَقَدَ العمال الكوردستاني كلّ مواقعه ومراكزه ومعاقله هناك، ولكن يمكن للمقاتلين حمل سلاحهم والذهاب إلى حيث يتواجد كالكان وبايك في السليمانية، وهذا ما لن يفعله العمال الكوردستاني بالتأكيد.
يقول كالكان: “وهذا يعني أن هناك بعض الأشخاص الذين يقومون ببعض الأعمال كمستشارين” كلّا ليسوا مستشارين، بل هناك لجنة مركزية لحزب العمال الكوردستاني في روجآفا، دعونا لا نغفل، فنحن نعلم جيداً أن كالكان بنفسه انتقل إلى روجآفا عام 2017 وعقد المؤتمر. بعد الانهيار العسكري في باكور كوردستان وفقدان 90% ممّا يطلق عليه التنظيم تسمية (مناطق الدفاع المشروع-باراستنا مديا) والتي كانت خاضعة لسيطرة بكك منذ 40 عاماً ضمن أراضي إقليم كوردستان، أصبح حزب العمال الكوردستاني يتحرّك الآن حصرياً في السليمانية وكرميان الواقعة تحت سيطرة ونفوذ الاتّحاد الوطني الكوردستاني وشنگال-سنجار ضمن سيطرة ميليشيات الحشد الشعبي، ويتواجد فيها فقط، نظام التنظيم الحالي والمتبقي الآن هو فقط روجآفا كوردستان، فالعمال الكوردستاني الذي باع روجآفا لكلّ من إيران والأسد منذ عام 2012، ويتاجر بروجآفا كوردستان ومصيره مع دولة الاحتلال التركي، انهار مرّة أخرى مع انهيار نظام الأسد، وهو الآن يريد استغلال كلّ الفرص المتاحة في روجآفا لكي يثبت للكلّ أنه يستطيع التستّر على انهياره وهزيمته!
كالكان: يجب على أولئك الذين يحبون تركيا أن يدركوا أن الشخص الذي سينقذ تركيا هو القائد آبو!
يعتبر العمال الكوردستاني بكك روجآفا بمثابة منزله الذي يمكنه المتاجرة به وتسويقه. فمن ناحية، قدّم كالكان عرضًا مفتوحًا لتركيا مفاده “يحاول نظام رأس مال احتكاري عالمي يعتمد على الطاقة والتجارة، السيطرة على شرق البحر الأبيض المتوسط، لذا أنشأوا هذا الطريق وهذا هو طريق التخلص من المعادين، وسوريا هي أيضًا طريق التخلص من المعادين وسيكون بعدها دور قبرص…” مؤكّداً على أن تركيا هي مركز هذه الحرب، فأضاف “قلنا إن تركيا يجب ألا تضيع الوقت ومن يتعامل مع أجراء اللقاءات مع القائد آبو على أنها حرب خاصة سيدرك غداً أنها جاءت متأخرة جداً، تركيا تخسر الفرصة وأولئك الذين يحبون تركيا، لماذا لا يفهمون ذلك، لماذا لا يرون هذا؟! يجب على القوى المعارضة والأحزاب الديمقراطية والقوى اليسارية والاشتراكية والمنظمات النسائية والشبابية أن توقف في وجه هذه الحكومة وتسقطها” مضيفاً أن “القائد آبو هو المُخلص الوحيد، أي إن الخلاص الوحيد لتركيا…”.
بمعنى أن كالكان يدعو الدولة التركية قائلاً “دعونا نتّحد. روجآفا في أيدينا، ولدينا قواتنا المسلّحة. لا تتسبّبوا في وقوع كلّ ذلك بيد الولايات المتحدة وإسرائيل… اتّفقوا مع إيمرالي وأعطونا فسحة مجال سنعطيكم كلّ شيء في أيدينا، وسنقطع الطريق أمام تقدّم المسار القومي الكوردي المطالب بالدولة…”.
ويقول كالكان أنه لا يوجد حلّ في سوريا سوى “أخوة الشعوب، وأن نموذج الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا سيصبح نموذجاً لسوريا كلها” ولكن تبيّن أن كلامهم عن أخوة الشعوب والأمم والأمة الديمقراطية وأنظمتهم في الرقة ودير الزور لم يكن سوى كلام لتخدير الشعب وخداعه.
كالكان يعتقد أن الكورد أغبياء معتوهين!
هناك مثل عربي يقول “يدفن رأسه في الرمال كالنعامة” في محاولة منه للهروب وإخفاء نفسه! ولكن رأس كالكان ليس مدفوناً في الرمال وكذلك حزبه (بكك) بل جميعهم ينظرون حولهم حول كيفية الاستفادة من روجآفا كوردستان، وبأي كرة يلعبون وعلى أي وتر يضربون! بينما يحاولون أن يدفنوا رؤوس الكورد ليس في الرمال فحسب، بل في الرماد والحفر…
تصريحات كالكان لا تعني شيئا سوى أن العمال الكوردستاني بكك لن يُظهر موقفاً كوردستانياً في أزمة الشرق الأوسط على الإطلاق، وسيساوم ويتاجر مع الجميع بما لديه، وسيواصل هجماته على إقليم كوردستان، وأوضح كالكان أنهم على أتمّ الاستعداد لجرّ الكورد إلى دوامة الفوضى وجرّهم إلى دائرة الحرب والصراع والدمار التي حاصرتهم خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية. وأن العمال الكوردستاني اتّخذ قراره بشأن روجآفا كوردستان، ألا وهو استخدامه كمنطقة مساومة ومتاجرة لحزبه.