ما مدى صحة أنباء مقتل قره سو؟

ما مدى صحة أنباء مقتل قره سو؟

في الآونة الأخيرة جرت نقاشات مقتضبة ومتشعّبة حول مصير وقدر مصطفى قره سو، عضو زمرة ومجموعة أنقرة وأحد الخلايا الأولية المؤسّسة لحزب العمال الكوردستاني بكك، فبعض الشخصيات البارزة والقيادية في حزب العمال الكوردستاني مثل باهوز أردال، وصوفي نور الدين “الذي زُعم سابقًا أنه قُتل في هجوم” وصبري باشقله، وبسي أرزنجان، وبريتان ديرسم، ونارين عفرين، وهاجر عفرين لم يكونوا حاضرين في المؤتمر الثاني عشر الطارئ للحزب والذي تقرّر فيه حلّ الحزب وفسخه وتفكيك جميع الهياكل والكيانات التنظيمية والمسلّحة التابعة للحزب وإنهاء الكفاح المسلّح… ويُقال إن بعض هؤلاء الأشخاص قضوا حياتهم سابقاً، وأن بعضهم متواجد في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا أو في أوروبا. إلّا أن الرأي العام قد سلّط ضوء عدسته على القيادي مصطفى قره سو، باعتبار أنه محلّ استغراب شديد غياب شخصية كـ قره سو من المؤتمر المصيري للحزب، والأغرب من هذا عدم نشر أي مقاطع فيديو أو تصريحات لـ قره سو حول العملية الجارية بعد انتهاء المؤتمر، وكان آخر ظهور لمصطفى قره سو يعود إلى 16 أيار/ مايو، حيث تمّ نشر مقطع فيديو لمصطفى قره سو على وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني يستذكر علي حيدر كايتان ويتحدّث عن شخصيته، لكن مقطع الفيديو هذا لم يكن حديثاً إذ لم يتطرق قره سو في حديثه ولو بكلمة إلى مؤتمر الحلّ والفسخ للحزب، هذا الغياب الملحوظ وهذا الصمت المريب أثارا نقاشات حادة وجدلاً واسعاً حول حياة قره سو، وانتشرت مزاعم حول أن قره سو بالفعل قُتل وأغتيل على يد حزب العمال الكوردستاني.

وبحسب التقارير والأنباء المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مصطفى قره سو لم يكن راضياً عن العملية الجارية بين أوجلان ودولت باخجلي ورجب طيب أردوغان، بل كان مستاءً إلى أبعد الحدود، وكشفت بعض المواقع عن مزاعم وادّعاءات أن قره سو أدلى بتصريحات سلبية تكشف مدى استيائه حول العملية الراهنة خلال برنامج تلفزيوني.

قره سو: الدولة تبتزّنا وتُطالبنا بمقترحات غير أخلاقية

في يوليو/ تموز العام الماضي، ظهر مصطفى قره سو، عضو المجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكوردستاني (KCK)، خلال مشاركته في برنامج خاص بثته قناة مديا خبر (Medya Haber) التلفزيونية التابعة لحزب العمال الكوردستاني، وكشف بشكل غير مباشر عن اللقاءات مع الدولة، أكّد من خلالها أن الدولة التركية تمارس ابتزازات تجاههم وتطالبهم بمقترحات ومطالب وصفها قره سو بـ “غير أخلاقية”.

ووفقًا لوسائل التواصل الاجتماعي، عوقب قره سو على موقفه هذا، ولم تصدر أي تعليقات من جانب حزب العمال الكوردستاني على هذه الادعاءات والمزاعم بعد. وهذا ليس غريبًا، فـ “علي حيدر كايتان” قُتل أيضًا، ولكن حزب العمال الكوردستاني كتم نبأ موته لـ سبع سنوات فقط! لهذا، قام موقع “داركا مازي” بمتابعة هذه القضية وحصل على معلومات غاية في الأهمية من بعض المصادر المقرّبة من حزب العمال الكوردستاني بكك.

تصريحات قره سو

خلال العام الماضي، أدلى قره سو بتصريحات تعارض وتناهض العملية الجارية في تركيا، لكن آراءه وتصريحاته تغيّرت واختلفت مؤخّرًاً. وبعد أن أطلق دولت باخجلي العنان لهذه العملية تحدّث قره سو بتفاؤل كبير حول العملية، وقال: “أوجلان هو المخاطب الوحيد في هذه المفاوضات والاجتماعات، وسنقبل ونتبنّى أي شيء يقوله”. في غضون ذلك، وفي 5 مارس/ آذار، قال قره سو خلال برنامج تلفزيوني: “لا يشك أحد في أن حزب العمال الكردستاني سيعقد مؤتمره الخاص”.

بمعنى آخر، لم يظهر قره اسو قط في أي برنامج إعلامي أو تلفزيوني ويعارض العملية الجارية بشكل علني، إذ يجب أن نعلم أن إعلام حزب العمال الكوردستاني لا ينشر أي شيء خارج إطار الحزب وزعيمه.

هل يُعقل أن يعارض قره سو أوجلان؟

بالنظر إلى حياة مصطفى قره سو، نرى أنه من المستحيل عليه أن يُعارض أوجلان. بل إنه استمر ومستمر في ولائه وتبعيته لأوجلان عمليًا وعلناً، وقد قال قره سو في وقت ما: “أنا محارب مدافع حتّى عن أخطاء القائد آبو!” وكان قره سو ينشر أفكار أوجلان بثقافة يسارية بين المجتمع، وكان مسؤولًا عن إعلام حزب العمال الكوردستاني منذ عام 2004.

ووفقًا لمصادر مقربة من حزب العمال الكوردستاني، لم يُعارض قره سو أوجلان قط. في الوقت نفسه، قالت تلك المصادر إنه لو كان لدى قره سو طاولة وتلفزيون، فلن يخطو أي خطوة خارج أطر بكك أبداً، وأنه لا حوار له مع كوادر حزب العمال الكوردستاني قط، أي أن قره سو لم يكن يمتلك لا الجرأة ولا الأرضية المناسبة والمهيئة لمعارضة أوجلان ومحاربته، ويُقال إن قره سو ليس كـ “علي حيدر كايتان” ولن يُقتل على يد حزب العمال الكوردستاني بكك.

آنذاك نتساءل: أين قره سو؟

أفادت مصادر في حزب العمال الكوردستاني بكك أن قره سو سافر إلى أوروبا لأن هذه الاجتماعات بين حزب العمال الكوردستاني بكك وتركيا ستكون وتُدار هناك بشكل أفضل، وفي نفس الوقت توجّه إلى هناك لإدارة بعض الأنشطة السرية للحزب عن كثب، مثل “المالية والاستخبارات والكوادر…” في أوروبا. ويُقال إن قره سو وكادرة نسوية للحزب يديران هذه الأنشطة. ويُقال إنه كان يتنقل بين روجآفا كوردستان وأوروبا منذ عام. وحسب المزاعم أن بريطانيا منحته جواز سفر بريطاني لئلا يتعرّض لأية مشاكل خلال سفره وتجواله، كما أضافت تلك المصادر أن قره سو يُجري محادثات مع الدولة التركية في بلجيكا والنرويج بضمانات بريطانية.

وأشارت مصادر حزب العمال الكوردستاني هذه حتّى إلى وجود نقاش وجدل داخل الحزب حول لقاء قره سو بأوجلان مباشرةً. ووفقًا لهذه المصادر، فغياب قره سو خلال هذه الفترة يعود إلى سفره لأوروبا وقيامه بهذه الأنشطة ومتابعته لها، وأنه ما زال على قيد الحياة ولم يُقتل.

ولكن لا يُمكننا تأكيد وإثبات هذه المعلومات التي كشفتها مصادر حزب العمال الكوردستاني، لكنها تبدو معقولة، إذ لعب قره سو دورًا بارزاً في المحادثات واللقاءات الجارية بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كما لعب أيضاً دورًا رئيسيًا في المفاوضات مع حكومة تورغوت أوزال خلال تسعينيات القرن الماضي، ونتيجةً لهذه اللقاءات والمحادثات، ورغم عدم إطلاق سراح رفيق قره سو، أُطلق سراح مصطفى قره سو من السجن وانضمّ إلى أوجلان.

كان قره سو مسؤولاً عن وفود حزب العمال الكوردستاني خلال محادثات أوسلو التي بدأت بدعم من بريطانيا. وخلال المحادثات التي بدأت عام 2009، ساعدتهم بريطانيا وإقليم كوردستان على السفر، بل وأصدروا لهم جوازات سفر من أجل التنقّل بحرية.

إذا أخذنا في الاعتبار مهمة ووظيفة قره سو هذه، فإن مزاعم تورّطه في علاقات واتّصالات مع الدولة صحيحة. ونتيجة لذلك، عندما ننظر إلى شخصية قره سو ومهمته، فإن مزاعم اغتيال حزب العمال الكوردستاني لـ قره سو قد تصبح غير صحيحة وغير منطقية، وإذا كان قره سو قد توفي حقّاً، فربما يكون السبب أنه توفي نتيجة مشاكل صحية، أو قضاء وقدر أو قد يكون نشاطاً فردياً تسبّب في مقتله، ولكن ما نحن متأكّدون منه بما لا يدع مجالاً للشكّ هو أنّنا لا نعتقد أن حزب العمال الكوردستاني سيكشف مصير قره سو قريبًا، لذلك لا يمكننا التوصل إلى نتيجة نهائية مائة بالمائة. فهناك مثل يقال حول سياسة الدولة العثمانية البراغماتية بأن العثمانيين أصحاب حيل ومكائد كثيرة… وباستطاعتنا القول أيضاً إن حزب العمال الكوردستاني أيضاً لديه ألاعيب وحيل ومكائد كثيرة، والآن اجتمع هذان الاثنان، وتضاعفت الألاعيب والحيل والمكائد ضعفين أو ثلاثة أضعاف، ومع ذلك، ستنكشف الحقيقة يومًا ما. وسوف نرى معًا ونعلم مصير قره سو ما حلّ به!

مقالات ذات صلة