عملية نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني المهمة: ما سبب وفاة الجنود الأتراك؟ ولماذا غيّر العمال الكوردستاني مراسم وقواعد لعبة إلقاء السلاح؟

مشروع (أردوغان-أوجلان-باخجلي) المشترك والمنسق يسير بشكل جيد وبلا أية عوائق أو مشاكل وفقًا للرأي العام، ولكن، بالنظر إلى تطورات الأيام القليلة الماضية، يبدو أن بعض المشاكل قد برزت وحامت حول هذا المشروع.
تذكير موجز بالعملية-نظرة موجزة للعملية:
أفادت قناة رووداو، ومقرّها أربيل، في 30 يونيو/ حزيران، أن حزب العمال الكوردستاني بكك سيُقيم قريبًا مراسم إلقاء السلاح في محيط محافظة السليمانية بإقليم كوردستان. ورغم أن رووداو لم تكشف مصدرها، إلا أنه يُمكن القول إنها تلقّت هذه المعلومات من مصادر مقرّبة من حزب العمال الكوردستاني، ونحن نعلم أن حزب العمال الكوردستاني قد دأب منذ بدء العملية على تقديم ومنح معلومات خاصة حول العملية لبعض المصادر لتوضيح مشهد سير العملية للرأي العام وذلك بشكل متعمد ومقصود، كذلك بالنسبة لمسألة نزع السلاح أو تخلي الحزب عن السلاح وإلقائه فهو ينتهج استراتيجية مماثلة في هذه المسألة أيضاً للفت انتباه الرأي العام نحو هذه العملية.
في 5 يوليو/ تموز، أصدر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) بيانًا بشأن عملية إلقاء السلاح. وذكر أن جميع وسائل الإعلام مدعوة للمشاركة في هذا الحدث، وبالطبع، كان كلّ ذلك “بعلم الحكومة”. بعد ذلك، أصدر المتحدّث باسم منظومة المجتمع الكوردستاني KCK، زاگروس هيوا، بيانًا مشابهًا أيضاً
في 6 يوليو/ تموز، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن مقتل 5 جنود أتراك في منطقة عملية (المخلب-القفل) ليرتفع عدد القتلى بعد ذلك إلى 12 قتلى، ووصف بيان وزارة الدفاع التركية حزب العمال الكوردستاني بكك بأنه “منظمة إرهابية انفصالية”.
في 6 يوليو/ تموز، زار وفد إمرالي لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) سجن إمرالي، ولم تُعلن نتائج الاجتماع رغم أنه استمرّ قرابة ساعتين ونصف سوى بيان مكوّن من سطرين أشار إلى أمرين: الأول: صرّح أوجلان بأن العملية تتقدّم وتسير بشكل إيجابي. أما النقطة الثانية، فقد أعرب فيها أوجلان عن حزنه “العميق” على الجنود الأتراك الذين لقوا حتفهم جرّاء التسمّم بغاز الميثان في منطقة العملية العسكرية (المخلب-القفل) وقدّم تعازيه الحارة من قلبه لأسر الجنود الأتراك!
في 7 يوليو/ تموز، التقى وفد إمرالي لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولم تُعلن نتائج الاجتماع للرأي العام أيضاً رغم أن اللقاء استمر قرابة ساعة ونصف.
في 7 يوليو/ تموز، أصدرت منظومة المجتمع الكوردستاني KCK، بيانًا في منتصف الليل الأخير أعلنت فيه أن مراسم نزع السلاح ستُعقد سرًا بعيدًا عن الأنظار وعدسات وسائل الإعلام.
في 8 يوليو/ تموز، أُجِّل اجتماع مرتقب لفد إمرالي مع وزير العدل التركي يلماز تونج. ووفقًا لبيان (DEM Partî) أن سبب التأجيل هو وجود الكثير من الأجندة على جدول الأعمال وضيق الوقت.
بالنظر إلى الصورة واللوحة ككلّ، نرى بوضوح أن جماعة حزب العمال الكوردستاني بكك كانت قد قرّرت بالفعل عن برنامج لإلقاء السلاح. لكن تغييرات جذرية طرأت خلال اليومين الماضيين وبالأخص بعد لقاء أردوغان. فيبدو أن لهذا التغيير سببان: الأول: هو تسمّم الجنود الأتراك بالغاز، والثاني: هو احتمال أن يُحوّل حزب العمال الكوردستاني هذه المراسم إلى استعراض.
لماذا دخل الجنود الأتراك نفق سيدا؟ وهل سلّمت قوات الدفاع الشعبي خريطة النفق للجيش التركي؟
أثار مقتل 12 جنديًا تركياً تسممًا بغاز الميثان جدلًا واسعًا وحادّاً، كما يحمل في طيّاته العديد من التناقضات والمفارقات، لأن الجيش التركي دخل عشرات أنفاق حزب العمال الكوردستاني بكك منذ بدء العملية العسكرية (المخلب-القفل)، مع ذلك، لم يُسمّم أي جندي في أي نفق أو يُقتل أمام مخارج هذه الأنفاق، فيا تُرى: لماذا حدث هذا في اليوم الذي كان من المفترض أن تُلقي فيه مجموعة من المقاتلين أسلحتها؟ هل هي مجرّد مصادفة؟
في بيانه، لم يُفصِح الجيش التركي عن مكان تسميم الجنود الأتراك بالضبط، وحسب المعلومات المتوفرة لدينا، وقعت الحادثة شرق زاب، في أنفاق سيدا، والتي استخدمها حزب العمال الكوردستاني كمستوصف طبي لمعالجة جرحاه، وفيما يتعلق بأنفاق سيدا، كان القائد العام لقوات الدفاع الشعبي، مراد قره يلان، قد قال في خطاب ألقاه عام 2023: “المقاومة هنا فاقت مقاومة قلعة دمدم”. ولكن بعد بضعة أشهر، استولى الجيش التركي على النفق، بل حتى أنه نُشرت خريطة هذه الأنفاق.
بعد مرور عامين من دخول الجنود الأتراك النفق، وبحجة البحث عن جثة جندي تركي توفي عام 2022، بات الحادث محطّ الشكوك والريب وترك وراءه تساؤلات كثيرة.
ورغم أنه لا العمال الكوردستاني ولا الجيش التركي لا يريدان تضخيم الأمر، إلا أن السؤال المطروح هو: “هل أبلغ حزب العمال الكوردستاني الجيش التركي بوجود جثة جندي تركي في نفق سيدا؟”
لغاية الآن، عندما كان الجنود يلجون هذه الأنفاق كانوا يرتدون أقنعةً واقية من الغازات وأسطوانات أوكسجين، فلماذا لم تُستخدم هذه الأدوات هذه المرة؟ هل من المنطقي أن يلج ويدخل 19 جنديًا معًا في نفق واحد وفقًا للمعايير العسكرية؟ وكيف يتراكم غاز الميثان في الأنفاق التي كانت بمثابة غرف معيشة لمقاتلي حزب العمال الكوردستاني؟ مع أنها تحتوي على مخارج للتهوية؟
والسؤال الأهم هو: “هل تسميم الجنود مجرّد خطأ عسكري أم حادثةٌ مخطّطة قامت بها بعض الجهات المعارضة المناوئة للعملية؟”.
فيبدو أنه هناك جهاتٍ داخل الدولة أيضاً تطرح هذه الأسئلة، وأن لتغيير برنامج ومراسم نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني تأثيرٌ في هذا أيضاً.
أردوغان لم يرغب في أن يصبح مراسم نزع السلاح نسخة ثانية من سيناريو خابور…!
في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، عبر 34 گريلا-مقاتلاً لحزب العمال الكوردستاني بكك معبر خابور الحدودي بزيهم العسكري، وتمّ استقبالهم بمواكب سيارات، في ذلك الوقت، دار جدل كبير وحادّ في أروقة الدولة التركية بسبب هذه المشاهد، وأعيقت العملية وتعطّلت وفشلت لأسباب واضحة.
فعندما ننظر إلى الدعاية التي روّجت لها جماعة حزب العمال الكوردستاني لبرنامج ومراسم إلقاء السلاح منذ 30 يونيو/ حزيران، نرى أن الحزب قد حوّل هذه الحادثة إلى استعراض قوة ومحطّ نقاشات حادة، ونقلت مصادر مقرّبة من حزب العمال الكوردستاني بكك عن أردوغان قوله لوفد إمرالي: “لا نرغب في تكرار سيناريو خابور ثانية!”. ويُقال إن قرار أردوغان هذا لاقى قبولاً لدى أوجلان أيضاً، فأمر وفقها قيادة العمال الكوردستاني بـ “التقليل من البرنامج وتصغيرها وتبسيطها مراعاة للحساسيات”.
هل ستستمر العملية؟
من أي زاوية نظرنا نرى أن العملية التي أطلقها باخجلي-أردوغان باسم “تركيا خالية من الإرهاب” هي مشروع ومخطّط استراتيجي كبير، وأنّ هذه الأطراف قد قادت نضالًا متعدّد الجوانب ومريراً لتحقيقه. كما تُشير تصريحات أوجلان أيضاً باعتباره جزءاً من هذه العملية أنه “أدّى المهام الملقاة على عاتقه وواجبه تجاه هذه العملية دون تردّد أو تلكؤ…”.
مع ذلك، هناك أطراف من كلا الجانبين تُحاول عرقلة العملية وتعطيلها، فمن داخل حزب العمال الكوردستاني بكك، ينظر جميل بايك وجماعته إلى العملية بعين الريبة والشكّ، لهذا نراهم في صمت عميق ومُطبق. كما توجد أطراف مُتسترة داخل الدولة أيضاً تعمل على تقويض وتعطيل هذه العملية.
وستُحدّد قوة هذه الأطراف والتطورات المُتوقعة المحتملة في المنطقة مصير مشروع “تركيا خالية من الإرهاب”.