محاصرة أربيل هو السبب الرئيسي لاصرار حزب العمال الكوردستاني البكك على معضلة “زيني ورتي
الجزء الثاني: محاصرة أربيل هو السبب الرئيسي لاصرار حزب العمال الكوردستاني البكك على معضلة “زيني ورتي”
البكك تنهي هدنة وقف إطلاق النار مع تركيا في الأول من حزيران 2004، والحق أنه لم تكن هناك هدنة لوقف إطلاق النار أصلاً وإنما كانت هناك لقاءات ومعاهدات سرية تجري بين شخص عبد الله أوجلان والجمهورية التركية، وهذه المحادثات كانت بحكمة وعقلية تركية للتحكم بالورقة الكوردية في منطقة الشرق الأوسط وقد تم توظيف ئابو وتكليفه بهذه المهمة!
استراتيجية أوجلان لتركيا العميقة: استخدام الورقة الكوردية في الميثاق الوطني
كانت استراتيجية أحمد داود أوغلو أن يجعل من تركيا قوة خارقة في الشرق الأوسط وبين الدول الإقليمية، أي جعلها عمقاً استراتيجياً في المنطقة، وقبل داود أوغلو تحدث أوجلان عن هذه الاستراتيجية وقد عاهد الدولة التركية على المضي وبذل كافة الجهود لانجاح الميثاق الوطني، ومن أجل هذا حدّد جنوب كوردستان واختاره كهدف! إذ عاهد الدولة التركية على إخضاع جنوب كوردستان لهيمنته وسيطرته.
أربيل مركز النهضة السياسة الكوردية
وخلال مشاهد الفيديو لتحقيقات أوجلان هناك مواقف وأقوال كثيرة له تجذب انتباه المشاهدين منها: سأقول لكم شيئاً ولكن إجعلوه طي النسيان واحتفظوا به سراً! لا ينبغي عليكم مساندة وتقوية البارزاني والطالباني أكثر! بل ينبغي إضعاف هذين الرجلين اللذين لا يصلحان! ووفق هذه الخطة لن ندع هذين الشخصين يتنفسان! وسنقوم بما لم تستطع تركيا القيام بها خلال الـ 10 بل والـ 20 سنة الماضية! ما أتحدث به لا يُنجز بالأموال والنقود! فقد تقدمنا كثيراً في محور محاربة ومعاداة الإقطاعية -الممالك القبلية والعائلية- للكورد وينبغي على تركيا تجنب الأخطاء في هذا المجال إذ الأخطاء مرفوضة! ولو أخذت تركيا بنظر الاعتبار عقد معاهدات واتفاقات محدودة معنا وتقديم القليل من الدعم لنا فآنذاك سيكون اقتراحي الآخر الاستحواذ على أربيل والسيطرة عليها!
فعبد الله أوجلان وجّههم نحو أربيل كهدف، وهي ورغم النواقص والسلبيات تُعتبر المركز القومي للكورد أجمع، فكما أن فلورنسا تعتبر مركز النهضة الأوروبية، وباريس تعدّ مركز الثورة التنويرية فيها، فكذلك أربيل وعقب الألفية الثانية أصبحت جداراً في مواجهة إنكار القومية الكوردية والشعب الكوردي، أصبحت مركزاً للنهضة نحو المشروعية، ورغم ما تقام ضدها من بروباكندات وإشاعات فقد صمدت العاصمة أمام الانتشار التركي وأطماعه الاحتلالية وأصبحت حجر عثرة في طريقها!
فأمام العاصمة موقفان هامان تجاه تحديد أوجلان الهوية السياسية الكوردية وقضيته المشروعة كهدف للأتراك:
الأول: أن أربيل هي بمثابة حجر عثرة ومعضلة أمام تحقيق الميثاق الوطني بين أوجلان وتركيا، ولكونها عاصمة إقليم كوردستان فهي كسكّين حاد مزق وثيقة الميثاق الوطني من الصميم.
الثاني: وقوفها أمام الدول المحتلة لكوردستان وأطماعها كمركز للأنظمة السياسية العالمية الحديثة، لهذا تم تحديدها كهدف لتركيا! فهي مدافعة عن حقوق الشعب الكوردي وتطلّعاته أمام عامة الدول الإقليمية المحتلة لكوردستان، فهي المظلة التي تأوي الكورد، ولهذا السبب فكل من عادى الكورد وعادى وجود كوردستان وجّه أنظاره نحو أربيل واستهدفها، ولهذا أول ما طرأ على بال تنظيم داعش الإرهابي وإيران والحشد الشعبي هو الهجوم على أربيل في أول فرصة لها! وما زالت الدولة التركية المحتلة وتحت مبرّر تواجد البكك تضقي الشرعية على هجماتها على إقليم كوردستان!
من المُستهدف من خلال عملية “الشمس”؟
بعد قفزة الأول من حزيران وبوقت قصير قامت البكك بمهاجمة الثكنات العسكرية المتواجدة على حدود جنوب كوردستان، وهذا ما تسبب باستمرارية هجمات تركيا على إقليم كوردستان، فعمليات وأنشطة “أورمار” والتي أبرزتها البكك كأعظم انتصار سنحت أفضل الفرص الذهبية للهجمات التركية، فقد تذرعت تركيا بحقوقها في الاتفاقيات الدولية وفي شهر كانون الأول من عام 2007 بدأت بهجماتها الجوية على مناطق جنوب كوردستان، وأصبح الإقليم تحت وطأة التهديدات، وبعد هذه التهديدات وفي الـ 21 من شباط عام 2008 بدأت تركيا بعملية “الشمس” والتي تشبه عملية الزاب لدى الأوساط الكوردية، غير أن هذه العملية كانت تستهدف العاصمة أربيل في الصميم!
ينبغي علينا إثبات هذه الحقيقة وهي أن عملية الزاب لم تكن تستهدف البكك وإنما كانت تستهدف إقليم كوردستان، كما كان الهدف منها الوصول لأربيل، وقد أضفت قفزة الأول من حزيران الشرعية على هجوم الاحتلال التركي على إقليم كوردستان كغزوها واحتلالها لعفرين ومناطق كثيرة من كوردستان!
وبهذا الصدد كشفت الوثائق المسربة من موقع ويكيليكس قول وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو: (في هجوم “أورمار” قُتل 12 من جنودنا وأُسّر 8 آخرين، وبعد الحادث إرتفعت أصوات المعارضة في البرلمان التركي بمهاجمة شمال العراق، وكان بامكاننا تسوية أربيل بالأرض -كناية عن تدميرها بالكامل- غير أننا لم نفعل!) والحق أن هدف الجيش التركي كان تدمير أربيل وانهيارها غير أن بعض القوى الدولية وقفت ضد المخطط التركي.
البارزاني بشأن عملية الزاب: تنفيذ هذه العملية استبدادية تجاهنا
لم تكن عملية الزاب ناجحة من الناحية العسكرية لما قام به مسعود البارزاني من توعية شعب منطقة بهدينان ليلة بدء العملية، فقد حشد الحزب الديمقراطي الكوردستاني شعب الإقليم على قواعد الجيش التركي لمنعه من المشاركة في العملية العسكرية، فلم يدع الجيش التركي يلتقون ببعض بالأسلحة الثقيلة، فوقف شعب بهدينان أمام الدبابات التركية ومنعتها من المشاركة في العملية، ونتيجة عدم الإسناد هذا من قواتها وأجنحتها في جنوب كوردستان منيت العملية بالفشل ولم تحقق أهدافها، فقد أظهر مسعود البارزاني موقفاً واضحاً تجاه الاحتلال التركي وقال: “هذه العملية استبداد بحقنا” وأضاف في نفس الوقت: “لا حلول عن طريق السلاح، ونحن نستنكر هذه الحرب وضدها” فأبدى موقفه الواضح والمعادي للحرب، وقد لعبت كلّ من أمريكا وأوروبا دوراً عظيماً في إيقاف الاحتلال التركي هذا، فلم تحقق عملية الشمس النجاح غير أن الحسابات التركية لأربيل لم تنتهي بعد.
التضليل حول قضية “زيني ورتي”
ما زالت المؤامرة التي أحاكها أوجلان للدولة التركية في السرّ لاحتلال أربيل مستمرة، وهذه السنة الثانية والتي قام فيها الجيش التركي بخرق الحدود بصمت! وقد استولى على كافة المناطق الاستراتيجية من حفتنين ووصولاً لخواكورك والتي كانت خاضعة لهيمنة البكك وتحكمها، فالقمم العالية خاضعة للجيش التركي، ومثال ذلك فقد إستولت القوات التركية على قمة جبل شكيف في معركة دامت لساعتين أو ثلاث! غير أن البكك ترى كل هذه الأحداث كشيء إعتيادي! كانت البكك تنظر إلى خواكورك ومنطقة برادوست أي سلسلة جبال زاكروس كأعشاش استراتيجية، غير أنه وبعد إستيلاء الجيش التركي عليها واحتلالها لم تعد البكك تتحدث عن استراتيجية تلك المواقع! فقد نسيتها! غير أنها جعلت من منطقة “زيني ورتي” كقضية شرف وكرامة لها، كون هذه المنطقة باب قنديل المنفتح على أربيل، فقد أقامت البكك القيامة لهذا فقط! فحاولت البكك إعادة سيناريو “شنكال” والبقاء في منطقة “زيني ورتي” بإحداث ضجة إعلامية وضجيج كبير، غير أن وزارة بيشمركة كوردستان لم تقبل هذا وقطعت عنها الطريق، وإلا فلا علاقة لها بقنديل بل باستطاعتها التأثير على محاصرة أربيل، فكانت البكك وبإخضاعها لمنطقة “زيني ورتي” تحاول نشر قواتها على منطقة (رواندوز وعقرة ووصولاً لشقلاوة) كانت تحاول بلوغ عتبة أربيل، كانت تخطط مع شريكها الاستراتيجي “الإتحاد الوطني الكوردستاني” إنشاء الخطوط الثانية لمناطق الدفاع المشروع على جبل سفين، ومن ثم تسليم منطقة كردي-شيروان وبرادوست لتركيا بعد تسليمهم لمناطق حفتنين والزاب ونيروه-ريكان لها! فقد توجهت الآن لعمق جبال الجنوب، وباخضاع منطقة زيني ورتي لسيطرة البيشمركة وهيمنتهم أحبطت وزارة البيشمركة الطريق لهذه الاستراتيجية وحالة البكك الهيسترية إنما سببها هذه الحقيقة!
تقول البكك أنها كانت في منطقة زيني ورتي سابقاً، ونقول لها أنك كنت في جبل شكيف أيضاً، كنتم في الحفلات والدبكات أيضاً! غير أنكم لم تستطيعوا حمايتها، فَتَحت أي مبرر تطالبون بـ”زيني ورتي” ؟! فكما سلّمتم 30 لـ 40 كم من أراضي جنوب كوردستان للمحتل التركي فادفعوا ضريبة أعمالكم للشعب الكوردي، فلم يعد بالإمكان خداع شعب الجنوب بالبروكاندات الجوفاء فقد مضى هذا الزمن لغير رجعة! لأنكم كنتم تطالبون بالتقرب من أربيل مسافة 29 كم بالتموضع في جبال سفين كما كنتم تنوون بلوغ العاصمة أربيل على خطين من قضاء سوران ومنطقة رابرين!
فالبكك منحت 30-40 كم عمقاً من أراضي جنوب كوردستان للدولة التركية المحتلة قبل الآن، وعلى هذا الأساس تجرأت تركيا على مطالبة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي بإعادة ترسيم الحدود بين تركيا والعراق!
فمما لا شك فيه أن لمعضلة “زيني ورتي” ومعاهدة أوجلان مع الدولة التركية للإستيلاء على أربيل إرتباطاً وثيقاً، فإصرار البكك عل تلك المنطقة لها علاقة مباشرة مع خطوة ئابو ومعاهدته مع تركيا.
خلاصة الموضوع، لم تكن تركيا راضية بالحدود المرسومة خلال معاهدة عام 1926، وبعد قفزة الأول من حزيران عام 2004 أعادت تركيا من 30 لـ 40 كم من حدودها المزعومة ووسعت أراضيها، وبهذا أصبحت تركيا مهيمنة على السياسة العراقية، كما ويتضح أن تركيا ولأهدافها ومطامعها الاحتلالية هذه طلبت من أوجلان إعلان الحرب وتفكيك الهدنة، فالاستيلاء على أربيل واسقاط حكومتها بحاجة لحالة حرب ولهذا أصبح قرار إعلان الحرب في الـ 1 من حزيران جسراً لعبور تركيا إلى جنوب كوردستان على ظهر البكك!