من لاهور جنكي صنعوا بطلاً – الجزء الثاني
تعيين لاهور شيخ جنكي قيّوماً على الإتحاد الوطني الكوردستاني
البكك جعلت من البيدق -جندي بوق- ملكاً، وبذلت جهوداً جبارة للتغطية على خيانات لاهور
بعد احتلال كركوك، سخّرت البكك كافة وسائلها الإعلامية على اتهام حكومة جنوب كوردستان والديمقراطي الكوردستاني -البارتي- بالتقصير والتسبّب باحتلال المدينة، في محاولة منها للتغطية على خيانة لاهور وبافيل وسترها، فسخّرت كلّ طاقاتها في مجال الإعلام والسوشيال ميديا ولعبت لعبتها السحرية التي أعطت ثمارها ونجحت في التأثير على شمال كوردستان، غير أنه لم يكن باستطاعتها إدارة هذه اللعبة وحدها، فحرّكت إيران وجميل بايك بيدقهم -جندي البوق- لاهور شيخ جنكي للقيام بما يقدر عليه لتحقيق هذا الهدف، بمعنى أنهم حوّلوا البيدق ملكاً!
لهذا السبب، فأول ما قامت به البكك لـ-لاهور هو جعله شخصية سياسية، فبذّلوا محاولات كبيرة لاحتلال موقع له بين السياسيين المعروفين الكورد، لهذا تمثّلت خطوتهم الأولى في التغطية على دوره الرئيسي في خيانة كركوك، فحرّفت البكك حقائق أحداث خيانة كركوك رغم اعتراف الإتحاد الوطني باتفاقيته مع الدولة العراقية، فتنحّى ملا بختيار والمقرّبين منه من مناصبهم الحزبية ومهامهم في الإتحاد نتيجة هذه الخيانة.
يدرك لاهور جيداً أنه سيُحاسب يوماً ما على خيانة كركوك!
آنذاك، وظّفت البكك كلّ قوتها التنظيمية لدعم الإتحاد ونجدته وإنقاذه من مستنقع الخيانة وتبرأة ساحته، بل زادت محاولاتها عن محاولات الإتحاد نفسه، كما ناضلت بكل طاقاتها وإمكاناتها لإظهار لاهور كشخصية سياسية، فأبدته على صورة رمزٍ الوحدة الوطنية والقومية على حساب منجزات غرب كوردستان، ولكي يحتلّ لاهور حيزاً من واقع جنوب كوردستان يقوم بزيارة لغرب كوردستان ويلتقط صورة مع مظلوم عبدي وينشرها على منصات السوشيال ميديا في محاولة منه لمحو كافة خطاياه بها، فأصبح لاهور أشدّ راديكالية لحكومة جنوب كوردستان وبتعاون كلّ من إيران والبكك والحكومة العراقية، فهو يدرك جيداً أنه سيُحاسب يوماً ما على خيانة كركوك لذا حاول طمس أي أثر له أو أدلة تورّطه بالهيمنة على الإتحاد وإخضاعه لنفوذه.
حركة تصفية الإتحاد الوطني
شرع لاهور وجناحه بإعادة صياغة الإتحاد الوطني من جديد وذلك بتعاون إيراني، ووضع منهاجاً غير مفهوم لحزبه، واستحدث مؤسّسات جديدة لتصفية بعض الكوادر القدامى المؤسّسين وإذابتهم فيها، من هذه المؤسّسات الكبيرة اسماً دون فحوى أو أي تأثير مؤسّسة (رئاسة المجلس السياسي الأعلى) واختير كوسرت رسول رئيساً لها، مع أنهم أبدوا أنه تسنّمه للمنصب كان كمنحة رمزية، غير أن الحق هو أن هذا المنصب هو بمثابة تصفية لكوسرت رسول حزبياً وتنظيمياً، كما تمّ تهديد كوسرت رسول سابقاً من قبل قاسم سليماني بسبب تأييده ودعمه لاستفتاء الاستقلال، قائلاً: لو أيد كوسرت رسول وشجّع لاستفتاء الاستقلال فسأشارك في عزائه في أقرب وقت! كما آزرت الحكومة العراقية تهديدات سليماني لكوسرت رسول بإصدارها أمراً بإلقاء القبض عليه!
وأما من استاء وامتعض من هذا الوضع في الإتحاد أمثال (حاكم قادر، دلير سيد مجيد والشيخ جعفر شيخ مصطفى) فتمّ إسكاتهم! وتخبّط الإتحاد فكرياً فأصبح يدير تنظيماته بشكل يومي بعيداً عن الخطوط العريضة والأهداف الاستراتيجية للحزب، بعبارة أخرى.. باتت العلاقة بين تعظيم لاهور وترفيعه، وتذليل الإتحاد وتصغيره علاقة طردية عكسية!
سيف ديموقليس – Damocles- المعلّق على رئاسة إقليم كوردستان
في الأساطير اليونانية القديمة، يحكى أن (ديموقليس) كان خطيباً متزلفاً في بلاط ديونيسوس الثاني من سيراقوسة، ومن تزلفه للملك، تعجّب ديموقليس من أن رجلاً عظيم القوة والسلطة تحيط به العظمة، ففوق ذلك فهو محظوظ جداً، فعرض ديونيسيوس على ديموقليس أن يتبادلا مكانيهما، حتى يتذوق ديموقليس بنفسه حظ الملك، فسارع ديموقليس على الفور بقبول عرض الملك، وجلس ديموقليس على عرش الملك محاطاً بكل الجاه والأبهة، إلا أن ديونيسيوس رتـَّب أن يـُعلـَّق سيف فوق العرش، مربوط من طرفه بشعرة واحدة من ذيل حصان، فما أن استوعب ديموقليس ذلك، حتى ترجى الملك أن يسمح له بترك العرش، لأنه لم يعد يتمنى أن يكون محظوظاً بتلك الدرجة، وكذلك لاهور جنكي، فقد أصبح كسيف ديموقليس المسلّط على رأس حكومة جنوب كوردستان ومنجزاتها، لا يعرف متى ينقطع الوتر ويهوى السيف! فهدفه الرئيس منحصراً في تغيير نظام الحكم في جنوب كوردستان وتغيير الحمض النووي للحكومة!
ففي شهر نيسان، انشغلت حكومة جنوب كوردستان بحربها ضد فيروس كورونا، تزامنه انشغال مدينة السليمانية بقضية الانفصال عن إقليم جنوب كوردستان في محاولة منهم لليّ يد حكومة جنوب كوردستان وإضعافها، وفي حزيران كانت حكومة جنوب كوردستان محاصرة تحت تهديدات الدول الإقليمية، من هذه التهديدات وأولاها خطوات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وتصريحه ليلة الـ 18 من حزيران والتي كانت مستهدفة أساساً أحزاب غرب كوردستان، قائلاً: من يتعامل مع الإتحاد الديمقراطي (PYD) فسنعامله على أنه PKK ونتعامل معه على هذا الأساس، علماً أن تهديده كان موجّهاً للبارتي وحكومة جنوب كوردستان، وفي الـ 21 من حزيران قال جميل بايك في حوار له: “سنعاقب بالموت كل من يتواصل في جنوب كوردستان مع الدولة التركية!” وقد بثّت فضائية البكك هذا اللقاء لبايك حول الاستقرار والأمان في إقليم جنوب كوردستان، أردفه مباشرة تهديد لاهور جنكي، ففي الـ 22 من الشهر قرّرت حكومة جنوب كوردستان استقطاع نسبة 21% من رواتب موظفيها لشهر واحد، وفي 23 من الشهر وفي الساعة الثالثة فجراً أصدر الإتحاد قراراً بتأييدهم لهذا القرار، غير أنه لم يمرّ الكثير من الوقت حتى أمر الرئيس المشترك للاتحاد لاهور جنكي بإزالة هذا القرار الرسمي من على مواقع الإتحاد الرسمية وكافة قنواته الإعلامية وسوشيال ميديا الإتحاد، وبعد ساعات نشر لاهور تغريدة على حسابه على تويتر: سيجتمع سكرتارية المجلس القيادي للاتحاد، فإذا لم تتوصّل حكومة جنوب كوردستان لاتفاق مع بغداد بهذا الصدد فنحن في الإتحاد الوطني لا نحمل هذه المسؤولية، كما أن الانسحاب من حكومة الجنوب وبرلمانه إحدى الخيارات المطروحة والواردة!
لاهور منتشي بالسلطة، وهو بهذا الانتشاء والثمالة يهاجم منجزات كوردستان!
قد تعتبر هذه التغريدة عادية بعض الشيء، غير أن المؤامرة المخفية وراءها هي بمثابة خيانة كركوك خطورة، كون التغريدة تزامنت مع زيارة هامة لوفد حكومة جنوب كوردستان لبغداد برئاسة قوباد طالباني لعقد لقاء هام، فقد أرسل لاهور رسالة هامة لبغداد من وراء تغريدته مفادها مؤازرته ووقوفه مع بغداد! فرجع وفد حكومة جنوب كوردستان فاضي الوعاء دون تحقيق أي مكسب، فالحق أن خيانة كركوك لم تنتهي بعد، بل هي مستمرة، وأصبح لاهور منتشياً بالسلطة، وهو بهذا الانتشاء والثمالة يهاجم كافة منجزات كوردستان!
فيا تُرى ما موقف أنصار الإتحاد وموالوه؟
منذ عام 1993 حاول أوجلان استقطاع قوة من الإتحاد الوطني والحصول على موطأ قدم له في إقليم كوردستان من ورائها، ورغم العلاقات الوطيدة بين مام جلال وأوجلان إلا أن خطر البكك لم يكن يغيب عن فكر وبال مام جلال، فكان يدرك أنه كحامل لعقرب في جيبه! وبعد مرضه رأت البكك الفرصة سانحة أمامها واستغلّت الإتحاد لتحقيق مصالحها، فهي تظهر للاتحاد موقفها المعادي للبارتي، وهي بهذا تستحصل التعويضات والتكاليف من الإتحاد، كما وتظهر نفسها كقوة سياسية في الجنوب بدعم من الإتحاد، في الوقت نفسه، فالإتحاد بأمس الحاجة لدعمها من أجل البقاء، وكلا القوتين تعيشان على فتات اتفاقياتها مع إيران، وبهذا انتهى الاتحاد وانهار وبقي اسماً دون مسمى، فهو بمثابة آلة سياسية في المتحف السياسي!
أية قوة أو دولة تريد بناء بطل من لاهور فلتعرف جيداً أن الأبطال لا ينبثقون من أمثاله! فنحن نعرف معدنه جيداً!
فباتت المشكلة الحقيقية كامنة في: هل باستطاعة مناضلي الإتحاد وأهله الحق العودة والمطالبة بتركتهم؟!
فالشعب يدرك جيداً أن القادة والزعماء لا ينبثقون من أمثال هؤلاء! فلا يمتلك لاهور جنكي شخصية ذات أهداف قومية ووطنية باستطاعته خلافة مام جلال، كما لا يمتلك شخصية قوية أصلاً بمقدورها رئاسة الإتحاد، فكما تقوم الدولة التركية في شمال كوردستان بتعيين قائمين بأعمال رؤساء البلديات فكذلك تمّ تعيين لاهور كقيّوم على الإتحاد من قبل دولة إيران المحتلّة، فأضاع لاهور نفسه بسبب القوة التي يمتلكها والمساعدات التي يتلّقاها، فيحاول إدارة النضال السياسي بأساليب مافياوية، لهذا نقول لأية قوة أو دولة تريد بناء بطل من لاهور أن تعرف جيداً أن الأبطال لا ينبثقون من أمثاله! فنحن نعرف معدنه جيداً! فأهل الجنوب يعرفون جيداً أن لاهور الذي تربّى في بارات سرجنار وعاش في ثراء فاحش ورضع من فكر الخيانة لا يصلح أن يكون قائداً أو زعيماً مهما انشغلت به الإعلام والصحافة! فلن ينبثق من أمثاله قادة وأبطال للكورد أبداً!